إغلاق
 

Bookmark and Share

سخمت إلهة الحرب.. باستت إلهة المرح ::

الكاتب: أ. رحاب شكري
نشرت على الموقع بتاريخ: 02/08/2008


القطط والفراعنة
أعشق هذا المخلوق الرّقيق النّاعم؛ فكم من رجال وصفوا النساء بهذا المخلوق.. وكم أعشق وصفي بالقطة، ولعل عشقي لهذا الوصف نتيجة لحبي الجنوني لهذا المخلوق.. ولكن لا أدري هل جاء وصف المرأة بالقطة لصفة الغدر التي التصقت ظلماً بالقطة؟.. أم لنعومة القطة وشقاوتها؟.. أم لسرعة رد فعلها دون تفكير؟؟ أم لعنادها وفعلها ما يحلو لها حتى لو تم نهرها عنه آلاف المرات؟.. أم لجمال القطة ورقتها؟.. أو ربما لسببٍ آخر لا أعرفه أنا ويعرفه من يصف المرأة بالقطة!!
ولم يقتصر اقتران القطة بالمرأة على العصر الحديث فقط بل يمتد هذا الأمر لأكثر من 7000 عام قبل الميلاد: في الحضارة الفرعونية القديمة. كان في ذاك العصر أيضاً رابط شديد بين المرأة والقطة؛ فتجد على جدران المعابد والمقابر تجلس المرأة وتحت قدميها قطة ولكثرة وجود هذا الوضع في جميع الرسومات الفرعونية أصبح هناك مصطلح في علم الآثار ودراسته اسمه (cat under the chair) لشيوع وجود القطة تحت الكُرسي الذي تجلس عليه المرأة الفرعونية.

وكانت للقطة مكانة كبيرة عند الفراعنة وكان اسم القطة بصفة عام (مياو)، ومن شدة حب المصري القديم للقطة في إحدى الأسر الحاكمة تمّ إطلاق اسم تدليل للقطة وكان هذا الاسم (ميوتي)، وكان اسم القطة يطلق على الإناث في العصر الفرعوني، لكن القطة لا يطلق عليها سوى (مياو أو ميوتي) وفي الأسرة 22 أطلق أحد ملوكها لقب (أنا القط) على نفسه ضارباً بالقواعد في إطلاق لقب القط فقط على الإناث عرض الحائط لشدة حبه للقط.
تم تقسيم الشخصية القططية إلى شقين: شق للنعومة والرقة والجمال والخير وأطلق المصري القديم عليها (باستت) إلهة المرح، وشق للشر والحرب والكوارث وأطلق عليها(سخمت) إلهة الحرب والموقف الكارثي.


سخمت إلهة الحرب

ومن المعروف أن العائلة القططية تشمل النمر والأسد والفهد وغيرها؛ فكانت (سخمت) أو إلهة الموقف الكارثي يرمز لها بأنثى الأسد، وكان يقدّم لها القربان عند الحروب أو حدوث الرعد أو أي كارثة ليعم السلام والاستقرار من جديد. والترجمة الحرفية لاسم (سخمت) بالعربية هي التي تُخربش.

وقد رُسم (سخمت) كثيراً على جدران المعابد وهي تمسك سكين في يدها وتقطع رؤوس الثعابين، حيث كان الثعبان رمزاً للشر عند الفراعنة، وأطلق على الثعبان رمز الشر في العصر الفرعون (أبوبي)، وكانت دائماً تُرسم (سخمت) وهي تقطع رأس (أبوبي) حتى يعُم السلام والاستقرار في العالم.

جاء ربط (سخمت) بالإله (رع) حيث أنها لا تظهر إلا في وجود (رع) إله الشمس، فالقطط تحب النهار وتنطلق وتنشط عند ظهور الشمس.. بينما (أبوبي) الثعبان لا يظهر في النهار ويكره الشمس ويكره (رع).. ومن هنا جاء ولاء (سخمت) إلهة الحرب لإله الشمس (رع) ومدى حبها له ومحاربة (أبوبي) رمز الشر في وجود (رع) وتحالفهما سوياً في مواجهة الشر، ومن هنا أيضاً جاءت فكرة شخصية ما بعد الموت وربطها بالقطط سواء (سخمت أو باستت).
وكانت القطط رمزاً للتفاؤل في أحلام الفراعنة! فحين تحلم الملكة أو الملك بقطة فهذا يدل عندهم على الرخاء وكثرة الحصاد والخير في هذا العام، بعكس العصر الحديث حيث يؤول وجود القطة في الحلم للخداع والغدر والحرب.

كانت هناك مزارع للقط في العصر القديم (الفراعنة) تُربّى فيها القطط حتى تُقدّم قرابين للإلهة (سخمت) ويمكن بسهولة التفرقة بين مومياء القربان لإلهة (سخمت) ومومياء القطة والمحنطة بشكل عادي حتى يحتفظ بها المصري القديم في مقبرته؛ حيث أن القربان تكون فيها عمر القطة من أربعة إلى ستة أشهور وقد تم كسر رقبتها حتى تموت وتحنط وتقدم قربان لإلهة (سخمت) بينما كانت مومياء القطة المحنطة بشكل طبيعي بعد موتها بدون أي كسور في الرقبة ويكون متوسط عمرها من عشرة أعوام إلى اثني عشر عام.

وكان هناك يوم يتشاءم منه الفراعنة في شهر آبيب حيث تخرج (سخمت) لتقطع رأس (أبوبي) في الليل دون مساندة (رع) فيخرج المصرين القدماء وبأيديهم أشياء يضربون بها حتى يُزعجوا (أبوبي) ويخرج من جحره لتقوم (سخمت) بقطع رأسه، وقد وصلتنا هذه العادة ففي بعض القرى البسيطة يقوم الناس بالخروج من منازلهم ليلاً وبأيديهم أغطية الأواني ويقوم بطرقها ببعضها ويصدرون نفس الصوت الذي كان يصدره المصري القديم.

أما (باستت) فقد كان لها معبد اسمه (بوباستيس) وأدمج معها فيه (سخمت) والذي أصبح الآن اسمه (بوبسطة) في مدينة الزقازيق في محافظة الشرقية، وكان يقام فيه احتفال يحضره أعداد كبيرة من الفراعنة، حيث كانت المراكب تبحر في نهر النيل لتصل للمعبد وبها ما لا يقل عن 700 ألف مصري دون حساب عدد الأطفال ليحتفلوا في معبد (بوباستيس).


باستت إلهة المرح

يمثل هذا التمثال الصغير (باستت) في المتحف المصري، إلهة المرح، نموذجا للتماثيل البرونزية التي كانت توضع في معبد (بوبسطة) كقرابين نذرية.
وهذا التمثال يصوّر الرّبة كقطة وديعة، جالسة على مؤخرتها بذيل طويل ملتف حول رجل واحدة وآذان طويلة نسبياً.
ويخلق الوضع الشامخ والمنتصب للقطة وتعبير العينين اليقِظ تأثير للعظمة، كما تُعَبِّرُ العضلات الملساء والأَرجل اللطيفة الطويلة عن حاسّة قوة مسيطرة، وربما ثقبت الآذان لوضع أقراط.

فمهما كان قصد الرجل عندما يصف المرأة بالقطة فإني أعشق هذا الوصف سواء كان قصده سخمت أو باستت.



الكاتب: أ. رحاب شكري
نشرت على الموقع بتاريخ: 02/08/2008