ماذا نريد من جمعيتنا المصرية للطب النفسي؟1
والآن تعالوا نحاول الإجابة عن السؤال المطروح وما تستطيع أن تقدم الجمعية غير المؤتمرات والندوات.
إن أول نقطة يجب أن توضع هي ماهية الجمعية المصرية للطب النفسي وهل هي مجرد جمعية علمية تمثل الفناء الخلفي لأقسام الطب النفسي بالجامعات كما يتصور البعض..
وإذا كان هذا التصور صالحا عندما كان عدد الأطباء النفسيين في مصر لا يتعدى الخمسين طبيبا معظمهم من أعضاء هيئة التدريس بالجامعات والتي كانت مقصورة في حينها على أربع جامعات فهل يصلح هذا التصور وقد تجاوز عدد الأطباء النفسيين حاجز الألف، والذين أصبح معظمهم من الأطباء الشباب الموزعين بين وزارة الصحة والتأمين الصحي والأطباء الأحرار والمغتربين وأعضاء هيئة التدريس في أربعة عشر جامعة؟
والذين يحتاجون جمعية تمثلهم وتعبر عنهم وتدرس مشاكلهم وتحلها، ويكون النشاط العلمي بمعناه الحقيقي وليس مجرد مؤتمرات لشركات الأدوية هي أحد مجالات نشاطها، ولذا فإننا ننتظر من جمعيتنا النفسية للطب النفسي بصفتها ممثلة للأطباء النفسيين وبصفتها جماعة ضغط تسعى لمصلحة أبنائها ولمصلحة الطب النفسي بصورة عامة:-
(1) إن أول دور لأي جمعية ممثلة لأي فئة من الفئات هو حماية هذه الفئة من الدخلاء والأدعياء ولا يسارع البعض إلى القول بأن هذه مهمة نقابة الأطباء وإدارة كذا بوزارة الصحة فإن كان للنقابة دورا عاما في هذا المضمار فإن الجمعيات بكل مهنة دورها التعامل المباشر مع الأمر وتوضيحه للنقابة ومساعدتها فيه لأن أصحاب كل فرع في الطب هم الأدرى.
وهناك في الآونة الأخيرة من ظهر في الساحة العامة تحت عنوان التنمية البشرية وهو في الحقيقة يخوض في مجال العلاج النفسي لأن ما يدعيه حتى من شهادات حاصل عليها إنما هي دورات للعلاج النفسي سواء في البرمجة اللغوية العصبية أو العلاج بالتنويم أو غيره....
وبالتالي فإن من يجب عليه الوقوف لفرز هؤلاء المدعين وفرز ما يقدمونه للجمهور من خلال اللقاءات المفتوحة أو الفضائيات هو الجمعية المصرية للطب النفسي، لأنهم لا يتورعون في أن يتحدثوا عن العقل الباطن وأساليب الاسترخاء بل ويعطون دبلومات معتمدة للعلاج النفسي......... من يراقب ذلك؟! من يعطي لهؤلاء هذا الحق؟!....
المساحة متروكة ومفتوحة حتى ادعى أحدهم الحصول على الدكتوراه في الميتافزيقا من أمريكا وهو لم يحصل حتى على بكارليوس في الفندقة في مصر رغم خبراته الواسعة في غسل الصحون في الفنادق.... وهو دور يجب أن تستدعي الجمعية نفسها من أجله لا أن تنتظر أحد يدعوها له لأن الجمهور المتلقي يتخيل أن ما يعرض عليه لابد وأنه قد تمت إجازته من أهل الاختصاص.
(2) إن الجميع يعلمون أن القانون الذي ينظم العلاقة بين المجتمع وبين المرضى العقليين إن صح التعبير هو قانون صادر في الأربعينات من القرن الماضي وهو القانون المفترض أن يوصف من هو المريض العقلي وكيفية التعامل معه ومدى مسئوليته القانونية عن أفعاله، وهو قانون قد تم وصفه قبل اكتشاف مضادات الذهان وقبل وضع أي تقسيمة للمرض النفسي والعقلي...
وفي دول العالم يتطور قانون الأمراض العقلية مع كل تطور في العلاج أو التشخيص لما يترتب على ذلك من حقوق للمريض وللمجتمع وفي أمريكا تغير القانون عدة مرات ليس لمجرد تغييرات العلاج والتشخيص بل أن حوادث مثل محاولة قتل ريجان أو كلينتون كانت فرصة للبحث عن مناسبة ما هو قائم والذي لم يتعدى تاريخ تعديله بضع سنوات وبالطبع كانت الجمعية الأمريكية للطب النفسي هي المدعو الأول في هذا الحوار لأنها التي تساعد المشرعين على سن قوانينهم بناءا على فهم وإدراك..
إن الجمعية المصرية للطب النفسي مدعوة لأن تفتح هذا الملف الخطير والذي يبرز إلى السطح مع كل حادثة كبرى يتهم فيها المرضى العقليين ثم يعود ويغلق.. فلتجمع الآراء من كل المختصين ثم لتعقد الندوات للدراسة والبحث ثم ليتنهي الأمر بمؤتمر عام يحضره رجال القانون والمشرعين ليفهموا ويقرروا تشريعات جديدة تواكب الواقع والعصر ولا تثير التساؤلات وسيرتب على ذلك حسم عدة قضايا متعلقة بهذا الأمر مثل متى يستدعى الطبيب النفسي للشهادة ومتى من حقه أن يمتنع وأن تنظم علاقته بالأطراف المختلفة في المجتمع وفي رؤية واضحة لا يترك الأمر للاجتهاد الشخصي.
(3) من المسئول عن نظرة المجتمع للمريض النفسي وللطبيب النفسي ومن يتصدى للأفكار المغلوطة بل ومن ينشر الوعي الصحي النفسي العام والذي يوجد ثقافة محايدة على الأقل تكون قادرة على التعرض على المرض النفسي وتحويله إلى المختص...
إن هذا الأمر يستدعي وجود خطة إعلامية ثابتة ومستمرة للقيام بهذا الأمر.. إن الأطباء النفسيين مدعوون لإبداء رأيهم في كل القضايا إنك لا تكاد وتفتح جريدة أو قناة فضائية إلا ويطل عليك منها طبيب نفسي.. قمن ينسق جهودهم؟! في هذا الاتجاه ومن يتعامل مع أجهزة الإعلام ليتصدى لكل خطأ أو تشويه يسيء للمريض النفسي أو لمهنة الطب النفسي.
(4) من يقوم بعمل تقسيمة للأمراض النفسية والعقلية خاصة بعالمنا العربي ومجتمعنا الشرقي، لماذا نعيش عالة على التقسيمة الأمريكية والتي تعبر عن أمراض نفسية في سياقها الثقافي والحضاري الخاص بها.. وهو أمر معروف ولا نبتدعه.
ولقد حاول الدكتور يحي الرخاوي القيام بهذا الدور ووضع التقسيمة المصرية للأمراض النفسية والتي لا تصلح جهود فرد لإتمامها لأنها تحتاج قدرا من الاتصالات والتنسيق والتفاعل والتنظيم الذي لا يستطيعه فرد بمفرده مهما كانت قدراته.
أين المؤتمرات التي عقدت لبحث إشكاليات الاختلاف الثقافي بيننا وبين المجتمعات الغربية في التشخيص والعلاج...
لقد بدأنا حوارا في مسألة الشذوذ الجنسي في مستشفى المعمورة لنجد أن الملف قد انفجر في وجهنا ليطرح أسئلة هامة حول علاقة العلمي بالثقافي وحتى تنتهي حدود العلمي وتبدأ حدود الثقافي.. بل وليصل الأمر لحاجتنا لوضع تصور خاص لنا كأطباء نفسيين عرب ومصريين للعلاقة بيننا وبين المريض في إطار خلفيتنا الثقافية خاصة فيما يتعلق بالموقف الأخلاقي للطبيب ودوره في العلاج... وهي أيضا قضايا تحتاج إلى جهود الجمعية المصرية للطب النفسي وتحتاج إلى مؤتمرات ومنتديات علمية تشعر المشترك فيها بأنه قد أضاف وأضيف إليه وأنه قد خرج من إطار التعاطي مع المطبات الجاهزة المستوردة والتي لا تتعامل مع واقعه المعاش يوميا مع مريضه والذي يجد تساؤلات كثيرة في تعاطيه معه ولا يجد من يساعده في الإجابة عليها.
(5) أين الأطباء النفسيون الشبان من اهتمام الجمعية أين فرص التعليم أين فرص التدريب أين فرص الاحتكاك وحضور المؤتمرات العلمية في الخارج إننا في المؤتمر الدولي للطب النفسي والذي عقد في القاهرة سبتمبر 2005 فوجئنا أن معظم أعضاء الوفود هم من الأطباء الشبان الذين في نهاية تدريبهم الطبي والذين لم يحصلوا على أي شهادات علمية والذين حرصت جمعياتهم الوطنية على أن يكونوا أول المشتركين ليكتسبوا خبرات جديدة هم أولى الناس...
والحقيقة أن هذه الفئة ليست مستبعدة فقط من حضور المؤتمرات العلمية العالمية الخارجية فهذا حلم مستحيل لا يجوز لهم أن يحلموا به أصلا ولكنهم محرومون حتى من حضور المؤتمرات العلمية المحلية لأن من يقوم بالدعوة لحضورها هي شركات الأدوية والتي تحرص على دعوة الأطباء الكبار من أصحاب العيادات والمستشفيات والمراكز المرموقة صاحبة التأثير في سوق الدواء ولذلك فهؤلاء لا مكان لهم على الخريطة حتى من باب الحضور الشرفي فالكبار يتم دعوتهم ودعوة جميع أفراد أسرهم وربما يصطحب البعض الخدم فأين يجد الأطباء الشبان مكانا لهم.
إن الجمعية المصرية للطب النفسي بما تحويه من عدد هائل من الأساتذة تستطيع أن توفر منحا دراسية وتدريبية لعدد كبير من الأطباء المصريين ولا يقول أحد أن هذا دور الوزارات...... فالاتصالات المباشرة بالجامعات والهيئات هي التي توفر هذه المسائل بعيدا عن البيروقراطية الحكومية حيث تفضل هذه الجامعات والهيئات العلمية الاتصال بجهات علمية أهلية تكون الأقدر على التفاعل معها.
(6) أين الاستفادة من كنز الأطباء النفسيين المغتربين.... إننا لا نبالغ إذا قلنا أن90% من الأطباء النفسيين العاملين في دول الخليج والسعودية هم من الأطباء المصريين وهم عدد قد يتجاوز الألف طبيب في مختلف المواقع الطبية النفسية وهم يعيشون تجارب مختلفة وتتراكم لديهم خبرات علمية وعملية يمكن الاستفادة بها سواء وهم في مواقعهم عبر التواصل الإليكتروني أو عندما يحضرون إلى بلدهم وهم يحضرون بصورة طبيعية سواء في أجازاتهم أو لحضور المؤتمرات العلمية ولا يشعر بهم أحد ولا يتفاعل معهم أحد وهم يمثلون ثقلا في دعم أنشطة الجمعية ماديا وعلميا.
(7) إن تفعيل المجلة وموقع الإنترنت الخاص بالجمعية بحيث يجد فيهم الطبيب النفسي ما يجعله يبحث عن المجلة أو يدخل موقع الإنترنت ولتدرس مثلا أسباب نجاح موقع مجانين وهو موقع قائم على الجهود الشخصية وليفعل موقع الجمعية ومجلتها بحيث تخرج في صورة النشرات الرسمية التي تصدر عن الهيئات الحكومية ولا يقرؤها أحد ولتقوم مجموعة على تحريرها وتوزيعها بعيدا عن توكيل هذا الأمر لشركة أدوية قد تقوم به أو لا تقوم حسب مصالحها وأولوياتها.
(8) تفعيل العضوية الجديدة لتضم كل الأطباء النفسيين، إن كشوف الجمعية العمومية الأخيرة قد ضمت عدد ثلاثمائة طبيب نفسي فقط وهو عدد صغير بالنسبة لمجموع الأطباء النفسيين ولقد آثرت أن أذكر هذه النقطة في نهاية المقال لأنها في الحقيقة هي نتيجة لكل ما سبق لأننا عندما دعونا زملائنا الشبان للانضمام للجمعية هزوا أكتافهم وتساءلوا ماذا تقدم لنا الجمعية فلم نجد إجابة ويجب أن يلغى الشرط الخاص بحصول عضو الجمعية على مؤهل التخصص فالأصل أن ينضم إلى الجمعية كل من هو طبيب نفسي بدءً من النائب المقيم لأنه أحق الناس برعاية الجمعية واهتمامها وهو ما رأيناه فعلا في جمعيات الدول الأخرى في المؤتمر الدولي الأخير.
(9) تطوير الجهاز الإداري بالجمعية حيث لا يصلح أن يكون كل الجهاز الإداري هو عبارة عن سكرتير الجمعية الذي جاوز سنه السبعين عاما والذي قد يصلح لأعمال السكرتارية البسيطة ولكن لا يصلح لمتابعة أعمال جمعية تريد أن تفعل نشاطها، إن هذا يؤدي إلى أخطاء فادحة يمكن أن تقصف بالجمعية..... لذا فإن تعيين طاقم مساعد خاصة وأن موارد الجمعية الآن تسمح بذلك وسيكون مطروحا عند تفعيلها أن يرفع الاشتراك وعندها ستغطى الموارد المصروفات الخاصة بالجهاز الإداري.
في النهاية لا أملك إلا أن أضع هذه الطلبات بين يدي أعضاء مجلس الإدارة قائلا اللهم هل بلغت اللهم فاشهد خاصة وأنها أمور ليست مستحيلة وتقوم بها كل الجمعيات في جميع البلاد.
واقرأ أيضا:
ضحايا الاعتقال المنسيين2 / العلاقة بين الطبيب وشركات الأدوية