ضحايا الاعتقال المنسيين1
أبناء المعتقلين
ربما تحدث الكثيرون عن الآثار المترتبة على الاعتقال على المعتقل نفسه وأسهبوا في عرض الآثار النفسية لهذا الاعتقال عليه .....
ولكني سأتعرض لنقطة أخرى وهي أولاد المعتقلين وتأثير هذا الأمر عليهم وسيكون ذلك بعرض نموذجين كعرض لدراسة الحالة... لأثرين خطرين من آثار الاعتقال على الأبناء وهو ما أسميه بسلوك الرفض وسلوك الإنكار لأبين بصورة عملية جانبا لا يدركه الكثيرون...وهو ما عبر عنه أحد معتقلي الإخوان المسلمين الذين ظلوا في سجون ناصر لمدة تزيد عن عشرين عاما...
حين قال والشباب يرفض عودته للتريث وعدم الدخول في المواجهة مع الحكومة أننا نريد أن نجنبكم ليس ما تعرضنا له من تعذيب ولكن أن نجنب أسركم ما حدث فيها والذي يصبح التعذيب والسجن أهون بكثير مما نراه من آثار نفسية على أبنائنا عانوا منها وما زالوا يعانون ونحاول علاجها وأظنها ربما لا تعالج!!
ربما وأنا أسمع مقولته وأنا لم أقابل بعد أي حالات من هذا النوع لم يكن واضحا ما يقصده وعندما شاهدت هذه الحالات تجسدت المقولة واقعا مؤلما...
الحالة الأولى لطفل في سن الثانية عشر عندما أعتقل والده ... الاعتقال الكبير إن صح التعبير... فلقد تعود الطفل على زيارات الفجر المتكررة لبيتهم وعلى احتجاز والده.... ربما لأنه كان أصغر سنا... وربما لأن مدد الاعتقال لم تتعد الشهر في المرات السابقة كان يبدو والأمر هذه المرة مختلفا.... لأن والده قد حول إلى المحاكمة العسكرية....
كان الطفل في حالة ذهول أو صدمة كان هذا هو الانطباع الذي وصلني وأنا أراه لأول مرة في وسط حشد كبير من زملاء والده وأصدقائه الذين انتفضوا من أجل الدفاع عن زميلهم والذين رأوا في ابنه ورقة رابحة يمكن استخدامها لحشد تأييد وتحريك المشاعر والطفل يقف في المؤتمرات متحدثا ببراءة بعفوية في بعض الأحيان وبكلام مكتوب له في بعضها الآخر والناس تهتف وهو يشعر أن ما يفعله سيساهم في الإفراج عن والده أو هكذا فهم ممن حوله.... والكل يبتسم له والكل يشجعه... والكل يقول له أن والده رجل شجاع ووطني وأنه من أجل ذلك اعتقلوه...
لم يفهم كثيرا مما يقال ولكن كان لديه الأمل أن يرى أباه معه مرة أخرى...ولكن هذا لم يحدث لأن المحكمة العسكرية أصدرت حكمها بحبس الأب ثلاث سنوات ليرى نفسه هو وإخوته وأمه وقد احتشدوا مع أطفال مثله في حافلة كبيرة لزيارة والده وليقف في طابور طويل أمام المعتقل ثم ليجلس إلى والده الذي يتحدث إليه وهو في حالة ذهول....
لماذا يحدث لنا ما يحدث هل لأن أبى من الإخوان المسلمين... هل لأنه يحب هذا الوطن... هل... هل...
لتكون الإجابة أنا لا أريد أن أكون مثل أبى... أنا سأكون النقيض... ليدخل في مواجهة مع نفسه..... مع ما تربى عليه طوال عمره... وليدخل عالما جديدا ليس هو عالمه ولا يعرف عنه شيئا.... وليدخل حالة من عدم التوازن على كل المستويات نفسيا واجتماعيا ودراسيا.... فلا هدف ولا معنى لحياته غير أنى لن أكون مثل أبي.....
حالة من الاضطراب النفسي الشديد وعدم التواصل مع الأهل والزملاء وعدم الانتماء لشيء للوصول إلى الرغبة في التغييب حتى يهدأ الصراع في داخله ولتكن المخدرات هي الملاذ..... هروبا وإعلانا لقمة التناقض مع الأب والرغبة في تحطيم الذات أيضا رفضا لما تفعله....
وليصل الأمر ليقف في الشارع مدخنا الحشيش متحديا كل النظم والقوانين متمردا على كل الأعراف وليأتي بعدها وقد حصل كل ما يريد ولكنه لم يستطيع أن يسكن الصراع داخله وليطلب المساعدة... قد تعبت وأريد أن أستريح....
ولنعيد ترتيب الأوراق وتحديد الأهداف وليكون الحل أنه ليس من الضروري إذا كان رافض لنموذج الأب هو أن يكون نقيضه وأن هناك طيفا واسعا من الاختيارات التي يمكن أن تجعله متصالحا مع نفسه بدون أن يخسرها أو يجبرها أن تفعل ما لا تريد.... كانت رغبته في الخروج مما هو فيه قوية...
عانى معاناة شديدة في التغلب على الإدمان ولكنه نجح في النهاية أن يعود للحياة ولكن بعد سنوات طويلة... ليدفع ثمنا غاليا لا يعلمه من أصدر قرار اعتقال والده.
واقرأ أيضا:
الفن للفن أم الفن للمجتمع (3) / ماذا نريد من جمعيتنا المصرية للطب النفسي؟1