اليوم هو العشرون من ديسمبر من عام 2005، اليوم عيد ميلادي الذي أشعر أنه كان يوماً سعيداً فهو يحمل ذكرى وجودي في هذا العالم. واليوم أحتفل بعيد ميلادي الثامن والعشرين في سعادة بالغة ليس فقط لأني موجودة في الحياة منذ أكثر من ربع قرن بقليل وأنني أنجزت ما يرضيني خلال السنوات الماضية، ولكنني سعيدة أيضاً لأنني لا أشعر بهذه السنوات التي مرت واشعر أنني سأظل سنوات طويلة قادمة من عمري إن شاء الله -لو مد الله فيه- في سنوات الشباب أحافظ على شباب قلبي وروحي وعقلي، فشعوري بنفسي أنني لا زلت في عامي العشرين أو أقل، وهو شعور جميل للغاية يجعلني اشعر أنني لا زلت امتلك الكثير الذي يمكنني تقديمه للعالم وللآخرين، وأن هناك الكثير من الأشياء المهمة التي تنتظرني كي أقوم بها، فهدفي أن أجعل العالم أفضل بعد أن أجعل نفسي كذلك.
والحقيقة أنني قرأت ما كتب كل من الدكتور الفاضل أحمد عبد الله عن عيد ميلاده، وما كتب الدكتور العزيز وائل أبو هندي عن نفس الموضوع، ولقد لمست رؤية مختلفة ً لهذا اليوم المهم في حياة الإنسان عند كل منهما، فالدكتور أحمد عبد الله لو صح اعتقادي من النوع الذي يحاسب نفسه دوماً رافعاَ شعار عمر بن الخطاب رضي الله عنه:(حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا)، ساعياً لأن يكون عيد ميلاده يوم الحساب الأكبر، وأكبر وأوضح الأسئلة التي يسألها لنفسه: ماذا قدمت للعالم خلال سنوات عمري؟ وتحديدا خلال العام الماضي؟ ويضع خطة للعام الجديد لتحسين الأداء والارتقاء به لو لم يعجبه – أدائه الشخصي في الحياة في كل المجالات المُعاشة.
أما الدكتور وائل أبو هندي فهو أكثر قسوة على نفسه في رأيي لأنه يشعرني أنه يجري في سباق وحده لا ينافس أحد ولكنه يسعى دائما للوصول لأفضل نتيجة ممكنة بدون النظر لأداء الآخرين لأنه لا يقارن نفسه ولا أداءه بهم فهو يضع أمامه دائما شعار:(الحق اعمل حاجة...ما حدش ضامن عمره)، ولعله يضع أمامه قصة السيد المسيح عليه السلام النبي الكريم الذي بكل ما مثله للعالم من تغيير وتأثير كبيرين، ونقلة أخلاقية عظيمة إلا أن عمره كان قصيرا وتوفاه الله في الثالثة والثلاثين، وكأن الله يقول لنا ألا نركن لما نمثله للعالم من خير لأن العمر قد يكون أقصر مما نتخيل، وأن علينا أن نعتقد أننا طالما أخيار فسنعمر في الدنيا! فلا يوجد أي ضمان أبداً لهذا، وما يفعله الدكتور وائل يشعرني بقوة بهذا المعنى.
والحقيقة أن كلا الرؤيتين في غاية الأهمية للنظر بعين الاعتبار والاعتداد البالغين بعيد الميلاد في حياة الإنسان، وتنبع كلاهما من روح محبة للعالم، معطاءة، تريد أن تكون إضافة حقيقية له، وهي رؤية أتمنى أن يتبناها الناس جميعا – وأنا منهم – لأنها تجعلنا نتحرك في هذه الحياة ولدينا رؤية واضحة لأنفسنا وللعالم من حولنا وما يمكننا أن نفعله من أجله.
وقد كتبت العام الماضي في إحدى المجلات الشهرية الشبابية (مجلة هو وهي) في (مذكرات شابة)عن عيد ميلادي وقلت أنني أنظر له كدرس مضى، اعتبر بما مر فيه، وأتعلم من الأخطاء وأسعد بتجارب الألم التي تضيف لتجاربي ولخبرتي في الحياة، وتجعلني أكثر نضجاً، وأتذكر لحظاته السعيدة في بهجة وفرحة لأنني مررت بها.
ولكنني هذا العام أنظر له بصورة مختلفة لا تستبعد ما كتبت من قبل، ولكنها تضيف لها، فأرى أن العام الذي مضى يحمل معه الكثير من التجارب المفيدة، وكل تجربة بها مكاسب وخسائر، وأنني خسرت أشياء في العام المنصرف من حياتي ولكنني في المقابل كسبت أشياء أخرى وقيم ومعاني أخرى، ربما أكون لم أحقق كل ما أريد في عملي ولم أنهِ رسالة الماجستير التي خططت لن أنهيها قبل العشرين من ديسمبر، ولكنني على الطريق، ولكنني حققت مكاسب أخرى على مستوى الصداقة، وتعرفت على أناس جديدة، وخبرات جديدة، وتعلمت منهم، وساعدني هذا كثيراً في رؤيتي للحياة، وأنا اعتبر كتابتي في(مجانين) خبرة جيدة تمثل إضافة لي سعيدة بها وأتمنى أن تكون مفيدة لغيري. واعتبر تملُك فكرة أن الحياة مجرد وسيلة للوصول لرضا الله ودخول جنته من نفسي، ويقيني المستمر بها من أهم ما كسبت هذا العام.
فنظرتي لعامي الماضي أن الإنسان يكسب ويخسر في آن واحد وأن صافي المكسب لا يحسب في مجال واحد أبداً ولا يمكن تقييمه في مجال واحد من مجالات الحياة، فالإنسان لا يتجزأ، وهو كتلة واحدة متكاملة ومتشعبة في مناحي كثيرة في الحياة. وأن ما نكسبه على المستوى الإنساني قد يكون أهم وأغلى مما نكسبه في المجال العملي، لان الأول يساعدنا كثيراً في تحقيق ما نريد في العمل والعكس غير صحيح.
وأجمل ما في عيد ميلادي هذا العام أنني في قمة التفاؤل، وأنني أستطيع في كل لحظة أن أكون نفسي، وأن أكون (ولاء) التي أريد والتي أحب وأسعد أنني هي، ومتفائلة لأنني أسير في الطريق الذي لا تصنعه سوى الخطوات الدائمة، فمن أجمل ما قرأت هذا العام ما قاله الكاتب البرازيلي (باولو فريري): (ليس ثمة طريق، وإنما نحن نصنع الطريق بالسير فيه!) وعلى الرغم من أنني لا أعلم متى أصل أو ما ينتظرني في نهاية الطريق، ولكنني أشعر أن (بوصلتي) تقودني لما فيه الخير،(فإنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى) كما قال رسولنا الكريم، وأشعر أنه مهما طال الطريق فإنني بإذن الله سأصل، وقدرتي على الفعل هي ما تشعرني بالتفاؤل وأن الله معي في خطواتي ينير لي الطريق ويهديني سواء السبيل.
وكل عام وأنتم جميعا بكل خير وحب وسعادة وعطاء وتفاؤل.
واقرأ أيضًا:
المصالحة مع النفس / يوميات ولاء حكايتي مع الكتابة (2) / يوميات ولاء : تساؤلات مؤلمة