بداية وقبل أن يسيء أحدكم الظن ويعتقد أني أتحدث عن مباراة مصر الكاميرون يجب أولاً أن نحدد ما هو الواحد وما هو الصفر؟
أمّا الواحد فهو الهدف الذي أحرزناه من تلك البطولة، وهو تزييف الانتماء وحصره وفرض سجنٍ عليه داخل نطاق الكرة فقط. أمّا الصفر فهو ما نحصل عليه في بقية أمور حياتنا ولنا فيه نصيب الأسد.
وجدت فرحة عارمة في الشارع لأجل أنّ مصر أخذت البطولة للمرة السادسة والثانية على التّوالي!!
ولا أمانع إطلاقاً أن نفرح ولكن في نطاق المعقول وفي حدود ما يتحمله الواقع، أمّا أن تكون فرحتنا تضليلاً للواقع وإلباسه ثوباً ليس من مقاسه بل أوسع كثيراً فهذا الذي أكتب لأجله.
فرحة طائشة:
أو بعبارة أخرى فرح في غير مكانه الصحيح. ما حدث بعد الفوز بالبطولة من نزول الشارع بهذه الهمجية والفرحة الطائشة وإهمال بعض الأعمال نتيجة فرحة عابرة –بهدف- لا تأخذ أكثر من ساعة على أقصى تقدير من وجهة نظري- استمرت ثلاثة أيام؟!!
لدرجة أني رأيت بعيني أثناء المباراة النهائية في أحد محطات المترو ترك الموظفين شاشات المراقبة الخاصة بالمترو وانكبوا أمام تليفزيون صغير!! وإذا كان هذا حدث في مؤسسة لا بد لها من الانضباط فلك أن تتخيل ما حدث في مؤسسات أقل احتياجاً للـدقـة والنظام؟!
الانتماء في بوتقة:
أتعجّب جداً من أن نرى الشاب الذي يسب للعلم طوال يومه الدراسي تجده في آخر اليوم حاملاً علم مصر وقد لون وجهة بالألوان واتجه إلى أحد المقاهي ليشجع مصر! هل هذا هو المطلوب؛ أن ننتمي لمصر وقت الكرة ونضرب بالانتماء عرض الحائط ولا نربّى عليه إلى البطولة القادمة؟؟ وإذا كنا نجحنا في تربية وخلق الانتماء داخل الجماهير وخصوصاً الناشئة كما يزعم البعض؟؟ لماذا لم نرى هذا النتائج المبهرة خلال خمسة عقود للانتصارات من الخمسينات إلى الآن؟؟ ولماذا نحبس الانتماء في بوتقة الكرة؟ وإذا كنّا نريد تقدماً فأي تقدم ننشده في إضاعة ثلاثة أيام متصلة فرحة بساعة ونصف من اللعب والذي غالباً لا يرقي إلى المستوى الجيد؟! وإذا كان هذا هو حال الانتماء؛ أن نبذل جهداً ضائعاً لمدة ثلاثة أيام لأجل انتصارٍ في كرة القدم(( يعني لا حررنا العراق ولا فلسطين مثلاً)) فهل حققنا أي أمل لبلدة الفريق الفائز! لقد هدرنا من أوقاتنا ما يؤثر على البلد حيث انشغل الناس عن أعمالهم في مناقشات لا يرجى فيها خير، كلها تافهة في أمر قد ولّى وانتهى بعد أخذ الكأس. ولهذا فإن انتماءنا مكبل الأيدي والأرجل ولن تقوم له قائمة إلا بفهم وفقه الانتماء من خلال الجهات التعليمية والتربوية والتنظيمية القائمة على خلقه وتنميته لدى المواطن.
ثقافة ليست منّا ولا نحن منها:
ألا وهي طاقية العم سام (كما أحب أن أطلق عليها)، والتي تشكلت بزي الكرة ولون العلم؟!؟! وأيضاً شراء الأعلام داخل مصر والجلوس بها على المقاهي في وقت نجد فيه أعلام المدارس تقطّع من قبل الطلبة وتداس تحت إشراف المدرسين؟؟!!! ولا أعلم حقيقة لماذا يلون أحدهم وجهه داخل بلدنا مصر، والله العظيم نعرف أنّه مصري، فلماذا يلطّخ وجهه بالألوان؟؟ ولماذا يرتدي تلك القبعة؟؟ ويحمل العلم مع أنّه لا يحترمه في مؤسسته أيّاً كانت إلا من رحم ربي، هل وصلنا إلى الفصام الاجتماعي؟؟.
وما يؤلمني حقاً هو اعتبار أن حذاء اللاعب والتفكير فيه خطب جلل تهتز له الأمة في وقت هي تعاني تربص غير معقول من الأعداء، وأرى أن الأعداء لا يتمنون غزونا حربياً بقدر ما يحققوا لأنفسهم نصراً تاريخياً بانشغالنا بقضايا ليست على مستوى الأهمية القصوى ولا ترقى إليها، ولو أخذنا كأس العالم نفسه.
على شاطئ السياسة الذي يبعد عن ملاعب الكرة:
غريب جداً أن لا يدرك اللاعبين الأفذاذ مدى خطورة موقفهم كقدوة للشباب المجتمع في زمن انقلبت فيه الموازين، وليس هنا المقصد ولكن ما حدث عندما أعلن أحد اللاعبين عن وجهة نظره وحبه لفلسطين-(أبو تريكة)- أذعن الجميع بحجة أن لا سياسة في اللعب! مع أني أشمّ رائحة الأعداء في كل المباريات سياسياً وإن كانت بشكل خفي، وتتمثل في بعض الشركات الراعية للمنتخب والتي تعرفها من اسمها وترى تبرعاتها للدولة اللقيطة بأم عينك ويقوم لها بعض المشاهير من هذه اللعبة بالدعاية والسهر على خدمتها إعلاميا ً(طبعاً بمقابل مادي)، وأتساءل هل عند اعتبارنا لهذا التصرف الذي أبداه أحد اللاعبين من باب حرية الرأي هو دخول في السياسة!!
ولا نعتبر ما يحدث من نشر دعايات أحد الشركات الراعية المعروفة بتوجهاتها تجاه الدولة اللقيطة وعمل ما يسمى بالرابط أو المرساة لها من خلال الدعايات أثناء المباريات دخولاً في السياسة، وهو عبارة عن ارتباط لا شعوري يحدث بين المشاهد والمنتج نتيجة عمل دعاية له أثناء أهداف المباراة بإظهار تلك العلامة الخاصة بالشركة فيعتبر المشاهد أن هذا المنتج هو نشوة الانتصار؟؟ وأكله أو شربه لهذا المنتج هو الانتصار بعينه؟؟ وتفاجأ في الآخر بمحاولة مجازاة اللاعب –(المتعاطف مع إخوانه الفلسطينيين)- ومحاولة حرمانه من المباريات!! ألا يعد هذا حكراً منظماً على فكر حر؟؟ ولماذا لا نسمع هذه الأصوات عند سب الرسول والإعلان صراحة عن ذلك؟؟
كنت أنتظر في أول مباراة بين فريقين عربيين أن تتم زراعة علم فلسطين على أرض الملعب وحشد تعاطف الجمهور مع غزة لكي تعرف الدولة اللقيطة أن وراء الأمة رجال قادرون على توجيه الشباب التوجيه المناسب في الوقت المناسب كقدوة لهم واستخدام التربية الأخلاقية الرياضية في دحر العدوان عن بلد عربي؟؟!! ويبدو أننا ما يزال يعجبنا أسلوب الدواب في الأكل والنوم والعمل!.
الأرباح والخسائر:
فوجئت بأن ما يصرف للاعب من مبالغ ضخمة جداً لا تعادل ما بذله من مجهود أبداً، بل هي أضخم كثيراً من حجم البطولة بذاتها، فهل لاحظنا أن الكرة أخذت أكثر من حقها تجاه الألعاب الأخرى التي لم نشجع محترفيها؟ وبالإضافة لهذا يجد مبتكرون من الشباب اليأس والقنوط في طريقهم لتطوير البلاد، فهل قومت الرياضة أخلاقنا حقاً أم خلقت نوع من الثقافة التي تطمح لخلق شهرة وتلميع أكثر من ما تطمح إليه في تطوير مجتمعها؟ ولماذا لا نعطي الابتكارات والتطبيقات مثل ما نعطي للكرة؟.
لقد فوجئت أننا بأشياء بسيطة ومتوفرة لدى مراكز البحوث في مصر يمكننا الاستغناء عن الكثير من المأكولات المستوردة وتصنيعها محلياً، فهل اهتم أحد بهذه المراكز ونشر ثقافتها أم اكتفوا فقط بتشجيع الكرة؟. وهل لاحظنا مدى التأثير النفسي علي شعب يعاني من البطالة بأن يسمع هذه الأرقام في الجرائد ويقرأها لدرجة يتمنى ويحلم أن يكون لاعب كرة؟؟ ونحن لا ننكر أهمية الرياضة، ولكن نعارض أن تستحوذ علي مالها وما لغيرها وتكون وسيلة لإلهاء المجتمع بدلاً من تسليته، وإضعاف عزيمته بدلاً من تقويتها. وقد لاحظت أنة بخلاف ذلك ما نقوم به من سوء تصرف عند استقبال الفريق العائد، لهو أحرى أن نكتب عن كيفية تنظيمه بدلاً من الأقلام التي سئمنا من طريقتها في الكتابة، وبدلاً من الغناء الذي برعنا فيه لهذه المناسبات بشكل لافت للنظر!
ترى جميع خطوط المواصلات من وسط القاهرة إلى المطار شبه معطّلة إن لم تكن بالفعل لأجل أن الناس ذهبوا لاستقبال الفريق، وكالعادة ينسى الموظفون أعمالهم ويظلوا يشوحون بالأعلام في الطريق للمنتصرين، ولا أعلم لماذا لا يتم تخطيط جيد لعودة الفريق بعد انتهاء مواعيد العمل الرسمية؟ إن ما نخسره من ضياع وقت يعقبه ضياع أموال نظراً للتأخير في قضاء شؤون الأفراد أضعاف أضعاف ما سنجنيه من فرحة عابرة لم تخلق تقدم يذكر في المجتمع سوى تفاهات النقاش والمحاورة بين أفراد المجتمع وإضاعة الكثير من الوقت، ومن حقنا الفرحة ولكن في نطاق حدودها!
وأخيراً، نقول أنه لا مانع إطلاقاً من أن نشجع بلدنا ولكن بطريقة حضارية ترقى بها الأمة والجيل وليس خلق فوضوية وحب مظهرة كما حدث من تجمهر للناس في شوارع المحروسة، كان المفروض أن يزيد تفوقنا الرياضي الكثير إلى تفوقنا في المجالات الأخرى وليس تهميشها مقابل الفرحة غير الموجهة والفوضوية، ونرجو أن نكتسب من صفاتنا وتراثنا بدلاً من أن نسمح باختراق ثقافتنا في شكل كاب أو علم، ونمجد هويتنا بدلاً من مسخها كما يريد الأعداء سلخنا من هويتنا. أرى أننا في تحد صارخ، آن الأوان أن نستيقظ من سباتنا ونعرف الصالح من الضار والحدود التي ينبغي الوقوف عليها وتنظيم الحياة لخلق جيل ذو فكر متجدد وليس جيل طموح إلى لعب كرة فقط أو عمل كليب لأنه يدرّ ربحاً ليس أكثر ولا أقل، والله أعلم.
واقرأ أيضاً:
ولا يزال البحث عن / رمضانيات: المسلسلات