كيف يمكننا التفاعل مع ما يجري في العراق.. هذه الأيام.. وخرائط السياسة لا تسعفنا، والعالم العربي كله يمور بأوضاع جديدة على الناس، والأنظمة؟؟
نخطئ حين نغفل عن العراق أو نتغافل ليس فقط بسبب أنه بلد حبيب إلى قلوبنا، ويلزمنا وصله، ولكن على خلفية ثرائه التاريخي والإنساني بحيث هو متحف أنثربولوجي كبير، وجامعة يمكننا أن ندرس فيها علوما كثيرة تهمنا الآن، ومختبر يتيح أمامنا فرصة نادرة لرؤية ظواهر شتى عاشها بلد عربي، وعاشتها وتعيشها.. أقطار أخرى.. دون تعلم كاف من دروس العراق!
لدينا هناك تجربة الثلث الثاني من القرن الماضي حيث وجود نخبة متعلمة ومتحررة نسبيا، لكنها هشة تفشل –بالضرورة -في تنظيم نفسها على قاعدة مجتمعية تقليدية عشائرية، أو مذهبية، كما تفشل في إنجاح البدائل التنظيمية المستحدثة مثل النقابات والأحزاب السياسية المدنية، والنتيجة كانت استقواء الطائفية بالأدوات الحديثة للتنظم والحشد السياسي، سواء كانت طائفية مذهبية، أو طائفية البعث الصاعدة لتجمع بين العسكر وتجمعات المصالح، وبعض من لا يجدون لهم أرضية يعملون فوقها!!
إنقلابات دموية جربتها العراق لتستقر على حكم الحزب الواحد الذي يستلهم تجارب شرقية في القبضة الحديدية، وحشد الجسد العام للمجتمع في حملات بعضها تنموي، وبعضها عسكري لتظل على المحك، وفي مواجهة عدو ما، يتحقق للعراق مرحلة انتعاش اقتصادي مؤقتة تجذب العمالة المصرية الفقيرة بالملايين، وتفتحها على جيرانها، لكن حصول الثورة الإيرانية يفتح السبيل لصراع دموي هائل يخوضه صدام ويخرج منه العراق مثخنا،
ولكن الحرب كعادتها تنتج تصنيعا، وتبني جيشا وقدرات عسكرية يهدد وجودها الجيران الأضعف، والنتيجة كانت إدخال العراق في دوامات انتهت بتفكيكه وإنهاكه تماما، بل والدخول في خبرة احتلال أمريكي قاسي، ومع رحيل أو تنحي طائفة الحزب الواحد عن صدارة المشهد يزداد دور الطوائف المذهبية، والجماعات السياسية/ الدينية، ومن خلف هذا كله فإن المشروع الاستعماري الأمريكي للمنطقة جاهز دائما للعب مع كل الأطراف، والتلاعب بها.. حسب الظروف والأحوال بغية السيطرة!
العراق منذ سقوط صدام وطائفته البعثية وقع رهينة في قبضة الثأر الطائفي التاريخي، وسيطرة قيادات لا تستمد شوكتها إلا من قوى أو أنظمة سياسية لا تريد العراق إلا رهينة وتابعا لها، إن إيران، أو السعودية! وصراعات الطوائف المذهبية، والتكتلات السياسية لن تصل بالعراق إلا إلى إعادة أشكال متنوعة من البؤس بوتيرة متسارعة أحيانا، أو بطيئة أحيانا أخرى!!
درس العراق يتكرر في كل البلدان العربية تباعا حيث البدائل المتاحة أمام الناس ليختاروا بينها هي مجرد ألوان من البؤس، والفشل، والمعاناة.. لا حكم طائفة سيجدي، ولا صراع الطوائف بأنواعها سيحقق أي استقرار للبلد، ولا أمريكا سترحم العراق، ولا جيرانه سيعطونه فرصة أن يهدأ وينمو فيهددهم!
تأمل لتجد كل بلد عربي قد اختار لنفسه أحد السيناريوهات التي فشلت في العراق، ويوهم ناس هذا البلد أنفسهم بأن ما فشل في العراق سينجح عندهم!!
أو هم غير مكترثين بما يجري في العراق أصلا.. منشغلين عنه بما هم فيه، ولو فقهوا لتعلموا من دروس العراق.. الكثير!!
هل من بارقة أمل؟؟
أنا لا أجد نفسي متحمسا لحديث الآمال، ولا التفاؤل، ولا التشاؤم، ولا هذه النوعية من الأحاديث التي أراها تبدد وتهدر وقتنا وجهدنا ووقتنا في متاهات لا نفع فيها!!
ما يمكن عمله في العراق وغيرها أن ندرك أن البدائل الجاهزة حاليا، والأطراف التي تشكلت في أتون جحيم الاستبداد، والاحتماء منه بالطائفية، بمعناها الواسع، هذه البدائل، وتلك الأطراف لن تقودنا إلا إلى الجحيم، ولابد من تبني منظومة أفكار جديدة، واستزارعها وغرسها على حسب إحلال وتجديد ودفن أفكار وصيغ قديمة، ولابد من تفكير وإبداع يربط العمل الروحي الجديد بالسياسي والمجتمعي على قاعدة التحرر من إرث التخلف والانقسام والصراعات الأهلية المذهبية، والمناطقية!
لا الجيوش ستحل مشكلاتنا، ولا الحركات الجهادية، ولا أموال الخليج، ولا أي من الصيغ القديمة، بل يلزمنا فهمها جيدا لإعادة تشكيلها وإدماجها في صيغ جديدة ملائمة للحظة التاريخية محليا، وإقليميا، ودوليا!!
لا يمكن إنكار وجود فجوة جيلية يمكننا استثمارها إيجابيا واستثمار طاقة الأجيال الشابة في تغذية هذه العملية التاريخية الكبرى، والمنطقة مهيئة لتحولات ضخمة.. لكن ترك الأمور في أيدي نفس اللاعبين، لن يصل بنا إلى شيء، ولو مع تغيير قواعد اللعبة، أو الوجوه المتصدرة!!
هذه خطوط عريضة جدا.. والتفاصيل متناثرة في مقالات سابقة، ولا بأس من مزيد تفصيل فيما هو قادم، بإذن الله!
يقول صديقي: لمن ستوجه مقالك هذا؟ قلت له: لأصحاب العقول، وأولي النهي.. معذرة إلى ربهم، ولعلهم يفقهون!
واقرأ أيضا:
مسار الثورة 7 ديسمبر.... فرصة نادرة !/ أين الخلل ؟/ إيقاظ الحياة/ الثورة الراقصة