مخطئٌ من يظن أن صواريخ المقاومة الفلسطينية عبثية، وأنها ألعابٌ صبيانية نارية، لا تقتل ولا تجرح، ولا تُصيب ولا تصل، ولا تُلحق ضرراً ولا تُسبب أذىً، وأنها تُخطئ أهدافها وتضل طريقها، وأنها تُثير السخرية والتهكم، وتبعث على الحزن والأسى.
وأن الكيان الصهيوني لا يُعيرها اهتماماً حقيقياً، ولا يوليها أهمية كبيرة لجهة خطورتها، بقدر ما يستغلها لتبرير حربه، وتشريع عدوانه، وإقناع المجتمع الدولي بعدالة قضيته في مواجهة مُطلقي الصواريخ، ومُهددي حياة المستوطنين، ولهذا فهو يُسرع إلى تصوير مكان سقوطها، وتوثيق آثارها، بعد أن يُطلق صافرات الإنذار لتكتمل مسرحيته، وتتحقق أهدافه الدعائية، ويبدو أمام المجتمع الدولي أنه "الضحية"، ليُجيز لنفسه بعد ذلك القصف انتقاماً، والهجوم تأديباً.
يبدو أن هذا الفريق من المستخفين بالمقاومة، المهزوزين داخلياً، والمترددين نفسياً، والمهزومين سلفاً، والموظفين لاحقاً، لا يُتابعون الشارع الإسرائيلي جيداً، ولا يُحسنون قراءة ما يجري فيه، ولا يقدرون على تحليل الأحداث، ولا يرون صورة المجتمع الإسرائيلي المرعوب، فقد أصابهم العمى أو الحقد، أو أعماهم الكره والحسد، أو طمس على قلوبهم الغيظ والكيد، فغابت عنهم الحقائق، وتبدلت لديهم الوقائع.
هؤلاء يُحزنهم ما لحق بالإسرائيليين، وأساءهم ما أصابهم، فنسجوا رواية أخرى، تختلف عن رواية العدو، وتتناقض معها، وكأنها تُكذبهم وتدحض شكواهم، وتُقلل من حجم الأذى الذي يُصيبهم، إذ أن العدو يجأر بالصراخ، ويُبالغ في الشكوى، ويتعمد إظهار الصور وبيان الآثار، وإحصاء الخسائر والأضرار.
ولكن هذا الفريق لا يُكمل دوره، ولا يتم روايته، ولا يكون منطقياً في تقديره، فهو يرى أن الصواريخ عبثية وأنها لا تضر، ولا تُصيب أحداً من الإسرائيليين ولا تقتلهم، ولكنه في الوقت نفسه يُجيز للعدو الصهيوني أن يقصف ويبطش، وأن يعتدي ويظلم، وأن يقتل ويُخرب، فكيف تستوي الأمور وتتسق، في الوقت الذي يُنكرون فيه جدوى المقاومة وصواريخها، فإنهم يدعون ويُشجعون عقاب "الصبية العابثين"، وضربهم بشدة وبلا رحمة، تأديباً أحياناً، أو فرصة أذنٍ شديدة في أحيانٍ أخرى.
بل إن هذا الفريق المستخف العابث، الضعيف المهزوز المريض، يُحمل المقاومة الفلسطينية مسؤولية العدوان، ويعتبر أنها تُسببت في جر رد الفعل الإسرائيلي العنيف على السكان، وأن أرواح المدنيين الفلسطينيين الذين يُقتلون في هذه الحرب تقع على مسؤولية المقاومة، وأن العدو الصهيوني بريءٌ منها، وغير مسؤولٍ عنها، ولا ينبغي محاكمته أو مساءلته عنها، فقد كان رده "دفاعاً عن النفس، ورداً للعدوان، وتأديباً للعابثين المستهترين، ومحاولة لتأمين حياة مواطنيه وضمان سلامتهم"...!!!
أم أن هذا السلوك المعيب والشائن، يصدر عن أرضية حقدٍ وكره، وينطلق من بواعث حسدٍ وظغينة، وأن له مبرراته من الغيرة والتنافس، فيُجيز أصحابه لأنفسهم الوقوف مع العدو نكايةً بالصديق، والتحالف مع القاتل كرهاً في الضحية، واستغلالاً للفرصة المتاحة للانتقام منه، أو ربما لشطبه وتصفيته، وإزاحته وإبعاده، وإخراجه من دائرة الفعل ومربعات التأثير، بعد أن أعياها وجوده، وأعجزها الانتصار أو التغلب عليه.
عجيبٌ أمر هذه الفئة من العرب والفلسطينيين، وغريبٌ تفسيرها لما يجري، إذ يبدو وكأنها قد أُصيبت بعمى ألوان، فلم تعد تُدرك أو تُميّز، أو أنها قد نذرت نفسها للدفاع عن العدو الصهيوني والحفاظ على مصالحه، وتبرير تصرفاته والقبول بسياساته، فهل أنها مقتنعةٌ فعلاً بما تقول، وتعتقد أن تفسيرها للأمور صحيحٌ ومنطقي، وأنها والعدو "على حق"، وأن "المقاومة خاطئة وعلى باطل"، وأن الواجب والضمير يُملي عليها أن تقف إلى جانب "الحق" الإسرائيلي، وأن تردع الباطل ولو كان من أهلها، أو جاء على أيدي أبناء شعبها..!!
يعتريني حزنٌ شـديدٌ وأنا أحاول بيان موقف هذا الفريق العربي أو الفلسـطيني، الشـامت والمتفرج، أو الصامت العاجز، أو المتخاذل الضعيف، أو المحاصر والمطوق، أو المتآمر المعادي، فهذا عدوان يتناقض مع كل المواقف السـابقـة ويتعارض معها، وهي مواقف تتناقض مع قيمنا ومفاهيمنا، ولا تتفق مع أخلاقنا وموروثاتنا، إذ يلزم من العرب جميعاً قبل الفلسـطينيين نصرةً وتأييداً، ومسـاعدة وتعاوناً، وأن يكون الجميع في خندقٍ واحدٍ، يُقاتلون ويواجهون، ويصدون ويردون.
واقرأ أيضاً:
الحياد الفلسطيني والقرار المستقل/ إيلات تتخوف وتل أبيب تتوجع/ الربيع الإسرائيلي والخريف العربي/ الأزمات العربية والوساطات الغربية/ من تنغير إلى القدس بعيونٍ مغربية/ هواجس سُكانية إسرائيلية!