د. مني أبو سنة: الرياء وسيلة دفاع المرأة أمام الرجل!!
*قاسم أمين لم يحرر المرأة .. ورفاعة الطهطاوي وراء الدعوة الأصولية لرجوع المرأة للبيت.
•بين حين وآخر تعلو أصوات مطالبة بمزيد من الانتصار لحرية المرأة بالانطلاق نحو حريتها العقلية التي قيدتها طويلا أعمال المنزل خاصة أعمال المطبخ، ومؤخرا استمعنا لصرخة د. منى أبو سنة أستاذ الأدب الإنجليزي بكلية التربية جامعة عين شمس في كتابها "نقد عقل المرأة" والذي احتوى بعض التناقضات الفكرية التي استدعت وقفة نقاش طويلة معها.
•أطلقت على عقل المرأة مصطلح (العقلية المطبخية) فما هي الأسباب التي دعتك لإطلاق هذا المصطلح؟
**مازال الاعتقاد السائد في جميع المجتمعات أن استخدام العقل والمنطق والعمل خارج البيت من شأن الرجل وحده أما العاطفة والانفعال وإدارة شئون المنزل والعمل المطبخي من شأن المرأة، وقد أحدث هذا العمل المطبخي تغييرا جذريا في بنية عقل المرأة حيث أفرز هذا التغيير ما أطلقت عليه مصطلح "العقلية المطبخية" والعقلية المطبخية عقلية مزاجية في المقام الأول لا تخضع لقانون عام وإنما تخضع لمزاج المتناول للطعام، وهو مزاج ذاتي ومن هنا تبتعد المرأة عن تمثل القانون العام لحدوث الأشياء وتقف في تفسيرها عند حد المزاج.
•ولماذا العمل في المطبخ علي وجه الخصوص هو الذي أدى إلى تغيير جذري في بنية عقل المرأة وليس أي عمل آخر من الأعمال المنزلية؟
**لأن الطبخ رمز لتوجهها نحو الآخر، فهي لا تطبخ لنفسها وإنما تطبخ للآخرين، ثم إن ميكانيزم الطبخ نفسه لا يحتوي أسسا منطقية أو عقلانية ويحمل في طياته رتابة وتكرارية يؤثران على نمط تفكير المرأة بوجه عام.
•لكن .. هل تعتقد د. مني أن المرأة التي تحقق السعادة لأفراد أسرتها عن طريق رعايتها لهم وحرصها عليهم وتضحيتها من أجلهم تستحق أن نقول أنها ذات عقلية مطبخية؟!
**بالطبع وهي امرأة تعيسة وتعي جيدا حجم تعاستها حتى لو أبدت غير ذلك وهذا النموذج السائد للمرأة يحمل خلف خضوعه الظاهر حالة من المقاومة الدائمة والتمرد المستمر وإن كان في أغلب الأحيان تمردا مكتوما ينتظر لحظة الانفجار التي تكون في أغلب الأحوال مدمرة لكل من الرجل والمرأة علي حد سواء.
•وكيف تتفادى المرأة هذه اللحظة وكيف نحول تمرد المرأة السلبي إلي ثورة إيجابية على كل أشكال القسمة الثنائية؟
**الإجابة عن هذا التساؤل تبدأ بأن تعي المرأة أسباب توتر علاقاتها مع الآخر سواء كان هذا الآخر امرأة أو رجل ومدي انعكاس هذا التوتر علي مسار حياتها .. ويبدأ الوعي بأن تبحث المرأة بإرداتها الحرة عن جذور الأوهام الأربعة التي تعيشها، وهي الاعتقاد في أن أمنها منحة من الرجل وأن حريتها مرهونة بالرجل وأنها موضوع رغبة من الرجل، والأخطر من ذلك الاعتقاد بأن طموحها في تحقيق طموح الرجل وهذا هو الأكثر خطورة على وعي المرأة فهو ما يكرس للعقلية المطبخية المانعة من تطور المرأة، ففي ظل تراث القسمة الثنائية تعيش المرأة من أجل تحقيق طموح الرجل من خلال إيهامها بأن تحقيق طموح الرجل هو غايتها (وراء كل عظيم امرأة)
وتضيف د. مني: وهذا من أسباب خصلة الرياء عند المرأة التي أصبحت بمثابة الأساس في بنيتها النفسية فهي أحيانا تستخدمه كميكانيزم دفاع وأخرى كميكاميزم هجوم، ولقد أتقنته المرأة لأنها اكتشفت بالخبرة أنه خير معين لها في الحياة لأنه يحقق لها الحد الأدنى لوجودها.
•رفاعة الطهطاوي وقاسم أمين من أوائل الرواد الذين انشغلوا بقضية المرأة ونادوا بتحررها أو هكذا عرفناهم حتي أتتنا صفحات كتابك بآراء جديدة عنهما .. فما هو الأساس الذي قام عليه هذا الاعتقاد؟
**ظل رفاعة الطهطاوي يؤكد على أن المرأة هي المعينة للرجل في تدبير أموره والحافظة لأطفاله والساهرة عليهم، كما أكد على أن مطمح أنظار الرجل في نجاحه وفلاحه وكسبه واغتنامه إرضاء زوجته المحبوبة، ولعل في تحذيره من لقاء رجل وامرأة لا يجمعهما الزواج في مكان واحد دون رقيب اعترافا بأن العلاقة الوحيدة بين الرجل والمرأة هي علاقة الزواج، كما ردد كثيرا أن الغاية من تعليم المرأة هي الأخذ بالثقافة الإسلامية من أجل تربية الأطفال.
كل ذلك وغيره كثير يؤكد أن رفاعة الطهطاوي لا ينظر إلي المرأة إلا باعتبارها موضوعا لا ذاتا، أي أنها وسيلة للحفاظ على النوع وعلى البناء الاجتماعي عموما. فالمرأة كما يتعامل معها رفاعة مغتربة عن ذاتها، ومنقسمة علي نفسها وبالتالي فإن تعليمها يقف عند حد الشكل ولا يتجاوزه إلى المضمون بمعنى الاكتفاء بتعليم المرأة القراءة والكتابة وليس الإبداع العقلي الذي يسمح للإنسان بتغيير الواقع من أجل التحكم فيه، أما قاسم أمين فقد انشغل بمسألة إصلاح حال النساء المصريات فترة طويلة من الزمان وأول ما لفت نظره في هذه المسألة أن ثمة تلازما بين انحطاط المرأة وانحطاط الأمة وتوحشها وبين ارتقاء المرأة وبين تقدم الأمة ومدنيتها.
وفي كتابه (تحرير المرأة) أكد على أن ثمة تلازما بين طبيعة تحرير المرأة والدين الإسلامي، فالمرأة استنادا إلى الشريعة الإسلامية لا يحق لها العمل إلا في حالات الضرورة؛ كأن يتوفي زوجها أو يكون فقيرا محتاجا إلى المساعدة أو لم تتزوج على الإطلاق ولا تجد من يعولها، وفي هذه الحالات لابد للمرأة من التعليم للتمكن من العمل في وظيفة شريفة بدلا من الانزلاق إلى الهاوية والرذيلة، ومن هذا المنطلق لم يدع قاسم أمين إلى تعليم المرأة إلا بهدف إتقان دورها كزوجة وأم أيضا وهو نفس كلام رفاعة الطهطاوي.
•وما هي انعكاسات رؤية كل من رفاعة الطهطاوي وقاسم أمين على واقع المرأة الحالي؟
**تمسك رفاعة الطهطاوي وقاسم أمين بالحجاب لتحرر المرأة كوسيلة جوهرية من أجل مشاركتها في التغيير الاجتماعي يتمثل الآن في الدعوة الأصولية إلى اكتفاء المرأة بدورها في البيت كأم وزوجة، وقصر دورها على أعمال البيت مع الدعوة إلى الحجاب، وفي تقديري أن هذا الوضع الراهن هو محصلة التراث الثقافي والفكري كما يتمثل في موقف كل من رفاعة وقاسم من قضية المرأة باعتبارهما من أبرز الممثلين لما يسمي بخطاب الليبرالية المصرية.
•في ضوء كل ما ذكرت ..هل تسهم المرأة المصرية قي تشكيل الثقافة السائدة وكيف تواجه بها واقعها؟
**إذا أرادت المرأة أن تسهم في الثقافة فإن عليها الالتزام بمعايير الرجل؛ وإلا فعليها أن تتراجع وتنسحب إلى داخل المنزل، ولهذا ليس في مقدور المرأة أن ترى ذاتها إلا بواسطة الرجل فكبتت رؤيتها الأصلية لذاتها واستعارت رؤية مزيفة من صنع الرجل _ رؤية لا تخرج على أنها مجرد أنثى _ أي إنسان ناقص، فهي موجودة في الفن والأدب كموضوع للفنان أو الأديب، وهي غير موجودة على الإطلاق في العلم بدعوى أن العلم يستلزم الرؤية الموضوعية ورؤية المرأة ذاتية لأنها عاطفية خالية من المنطق، وإذا وجدت في أي من هذه المجالات الثلاثة فلن توجد على أنها منتجة لهذه المجالات وإنما على أنها مستهلكة لها، وشتان بين الإنتاج والاستهلاك فالإنتاج يقوم على عدم القناعة بالواقع ومحاولة تغييره أما الاستهلاك فيقوم على تناول ما هو موجود بالفعل أي القناعة بالواقع.
•وإذا كانت ثقافة المرأة عاجزة عن تحريرها فما هو البديل في رأيك؟
**البديل في رأيي هو إنتاج المرأة لثقافة خاصة بها؛ لأن الإنتاج في ذاته وسيلة لتغيير الواقع، وإذا كانت الثقافة هي تغيير الواقع فثقافة المرأة إذن لن تكون تثبيتا للواقع بل تغييرا له .. وهنا تلتقي المرأة بالرجل كمغيرين للواقع، أي تلتقي الثقافتان في ثقافة واحدة هي ثقافة الإنسان.
واقرأ أيضا:
السعادة ممكنة..رحابة النص / السعادة ممكنة - متى يصبح المفعول به فاعلا؟! / زينة المرأة ليست للإغراء مشاركة5