صدر التقرير الرابع للسعادة عن هيئة الأمم المتحدة وكانت فيه مفارقات عجيبة تستدعي الكثير من التأمل والمراجعة.
وقصة تقرير السعادة ترجع إلى عام 2011 حين اقترح رئيس وزراء دولة بوتان (دولة صغيرة في شرق آسيا متاخمة للصين) على الأمم المتحدة وضع معيار السعادة كدليل على نجاح عمليات التنمية المستدامة وكان يرى أن مفهوم السعادة أكثر شمولا ودلالة من المعايير الإقتصادية أو المعايير الصحية أو المعايير الإجتماعية منفصلة، وقد لاقت الفكرة استحسانا لدى هيئة الأمم المتحدة فأصدروا أول تقرير عن السعادة في الدول المختلفة عام 2011 ثم التقرير الثاني 2013 والتقرير الثالث 2015 وأخيرا صدر التقرير الرابع لعام 2016 في روما قبل انتهاء العام والسبب في ذلك هو الرغبة في استباق اليوم العالمي للسعادة والذي حددته الأمم المتحدة يوم 20 مارس من كل عام.
والسؤال الأهم الذي واجه واضعي تقارير السعادة هو تعريف السعادة نفسها، والذي اختلف حوله الفلاسفة والعلماء على مدى التاريخ. وفكروا في أن يكون تعريف السعادة أقرب لتعريف الصحة النفسية الذي وضعته منظمة الصحة العالمية وهو: "حسن الحال على المستوى الجسدي والنفسي والإجتماعي والتكامل والتناغم بين هذه المستويات"، ولكنهم وجدوا أن السعادة ربما تتجاوز هذا التعريف، فبحثوا في المصادر الأساسية للسعادة ليستخرجوا منها محاور السعادة الرئيسية، وكانت هذه المصادر كالتالي:
1 – الملذات
2 – الإنجازات
3 – العلاقات
4 – القيم
وقام واضعوا التقرير بإعادة صياغة لدعائم أربعة للسعادة كالتالي:
1 – المشاعر الإيجابية المستمرة
2 – التعافي من المشاعر السلبية
3 – المواجدة (الإحساس بالآخر)، الإيثار، والسلوك الاجتماعي الإيجابي
4 – حرية الفكر، العقل الواعي، والارتباط العاطفي
ثم اشتقوا من هذه المحاور الأربعة معايير سبعة يتم تقييم حالة السعادة على أساسها وهي:
1 – الناتج المحلي الإجمالي للفرد
2 – الدعم الاجتماعي
3 – توقعات الحياة الصحية
4 – الحرية الشخصية
5 – الكرم
6 – الثقة في النظام العام مقابل الفساد وعدم الثقة
7 – المساواة في السعادة
وتوضع الدرجات على كل عنصر من صفر (سعادة منعدمة) إلى عشرة (أعلى مستوى للسعادة)، ثم تقارت النتائج بنموذج لدولة افتراضية ذات واقع مرير يطلق عليها "ديستوبيا" تمثل أسوأ الحالات المتوقعة. ويلاحظ غياب العوامل الدينية والروحية في معايير التقييم ويبدو أنهم تجنبوها إما لصعوبة تحديدها أو لأنها قد تثير حساسيات وتعصبات نظرا لاختلاف العقائد والممارسات الدينية والروحية. وتوجد الآن أربع دول بها وزارات للسعادة وهي: بوتان (أول دولة أنشأت وزارة للسعادة)، إكوادور، الإمارات، فنزويلا.
أما مصادر المعلومات للتقييم فهي متعددة ولكن أهمها مؤسسة جالوب العالمية للاستطلاع.
والآن نأتي لترتيب الدول طبقا لحالة السعادة المرصودة بالمعايير المذكورة، وتأتي على رأسها الدانمرك كأكثر الدول سعادة وقد حصلت على هذا المركز ثلاث مرات من بين التقارير الأربعة في السنوات الماضية ونافستها سويسرا على هذا المركز مرة واحدة، أما أسوأ دولة على حالة السعادة فهي بورندي، وإليكم التقرير الذي يحمل الكثير من الدلالات:
1- الدانمارك، 2- سويسرا، 3- أيسلاند، 4- النرويج، 5- فنلندا، 6- كندا، 7-هولندا، 8- نيوزيلاندا، 9- استراليا، 10- السويد، 11- إسرائيل، 12- النمسا، -13 أمريكا، 14- كوستاريكا، 15- بورتوريكو ، 16- ألمانيا، 17- البرازيل ، ...... 23- بريطانيا، 24- شيلي ، 25- بنما ، 26- الأرجنتين ، 27- جمهورية التشيك ، 28- الإمارات ، ...... 32- فرنسا ، 33- تايلاند ، 34- السعودية، 35- تايوان،
36- قطر، 37- أسبانيا ، 38- الجزائر ، .... 41- الكويت ، 42- البحرين، ..... 50- إيطاليا، .......53- اليابان ..... 56- روسيا ، ..... 67- ليبيا، ...... 76الصومال، .... 78- تركيا، 79- إندونيسيا،
80- الأردن، .... 83- الصين ، 84- بوتان، .....87- البوسنة والهرسك، .... 90- المغرب، ........
93- لبنان، ..... 98- تونس، 99- اليونان، .... 105- إيران، .... 112-العراق، 115- إثيوبيا،
120- مصر، .... 133- السودان، .... 147- اليمن، ..... 156- سوريا، 157- بوروندي.
ويلاحظ أن الدول الاسكندنافية تحتل أغلب المراكز المتقدمة، وأن الدول الكبرى أو الدول الصناعية أو الدول ذات النفوذ السياسي والعسكري ليست بالضرورة متميزة على مستوى سعادة أفرادها فمثلا أمريكا في المركز الثالث عشر وبريطانيا في المركز 23، وفرنسا 32، واليابان 53، والصين 83 .. وهناك دول غنية ولكنها ليست متقدمة في الترتيب بما يتناسب مع قوتها الاقتصادية، بل إن أيسلاند وأيرلندا قد مرا بصعوبات وأزمات اقتصادية ومع ذلك احتفظا بمراكز متقدمة لأنهما يملكان عناصر قوة أخرى غير المال .
أما مصر فقد كانت في المركز 120 وهو مركز متأخر بالطبع، ويسبقنا في الترتيب دول مثل الصومال وإثيوبا والعراق.
ويلاحظ أن إسرائيل في المرتبة الحادية عشرة متقدمة على كل الدول العربية حتى الغنية منها، حيث أن أول دولة عربية تظهر كانت الإمارات وهي في المركز 28 .
والتقرير يرى أن السعادة ليست مجرد حلم نتوق إليه وننتظر حدوثه بشكل قدري، وإنما هي علم ومهارة وقدرة وأشياء محددة يمكن أن نتعلمها ونتدرب عليها لكي نحقق السعادة في حياتنا.
قد يعترض البعض على النتائج أو على منهجية التقرير أو على مصدر المعلومات، ولكن يبقى أن تقرير السعادة يلفت الأنظار إلى هذا البعد المهم في حياة البشر وهو أن الدول والحكومات لابد وأن تسعى وتغير أنظمتها وسياساتها وطرق تفكيرها وممارساتها لكي تحقق لمواطنيها السعادة، والتقرير هو بمثابة شهادة على نجاح أو فشل المنظومات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في كل دولة.
ويتبع>>>>>>>>>>: لديهم وزارة السعادة .. ولدينا سعادة الوزير2017
واقرأ أيضًا:
أنا السيسي / مصر بعد الانقلاب: الأمن عاد، والخوف ساد! / الدم الرخيص / سيكولوجية الثورة