أرسلت هدوء الليل (20 سنة، مصر) تقول:
ماذا نفعل مع الطعام في الأوقات الحرجة؟
دكتور جزاك الله كل الخير؛
بس أنا مش حشارك في الحل لأني عندي نفس المشكلة مع المواقف الصعبة الواحد ما بيلقيش إلا الأكل يشكي له همه للأسف وهو الوحيد اللى بيستحمل المستحيل، للأسف طبعا نصائح حضرتك جميلة ولكن للأسف غير عملية لو أنا في الكلية طول اليوم علشان أعمل بنصيحة حضرتك مش حينفع خالص....
وحاجة كمان بعد إذن حضرتك للأسف وقت الغضب والنرفزة محدش بيفتكر أي حاجة وبيكون الموقف يتملكنا وكان تعاملنا مع الموقف انتحار لينا لأننا بندمر جسمنا بس بيكون بالبطيء وعندي موقف حدث لي في العيد حدث مشاكل في البيت زاد وزني 6 كجم في 13 يوم بسبب الغضب نعمل إيه؟؟
28/11/2008
الابنة العزيزة هدوء الليل أهلا وسهلا بحضرتك منورة على مجانين... نظرا لأنك لن تشاركي في الحل قررنا وضع مشاركتك هذه في قسم البدانة والنحافة كمقال بدلا من وضعها كمشاركة في ردنا على مشكلة: ماذا نفعل مع الطعام في الأوقات الحرجة؟....
أستطيع تقسيم الرد عليك إلى جزأين في هدوء يا هدوء:
الجزء الأول يتعلق بالأكل الانفعالي والأكل الانفعالي هو أن تأْكلي لأي من الأسبابِ ما عدا تَوفير الوقودِ والعيشِ المطلوبِ لجسدِكَ أَو ردَّاً على الجوعِ. وحقيقة فإن التهام الطعام يُمْكِنُ أَنْ يُزوّدَ الإنسان بشعور الراحةِ والأمان، والأكل في أغلب الأحيان يُستَعمل لمُعَالَجَة مشاكلِ انفعاليةِ بدلاً مِنْ استعماله ردَّاً على الجوعِ... وقد تكون هذه ليست مشكلة لكثيرين ممن لا استعداد لدى أجسادهم للزيادة إلا أنها مشكلة مركبة عند القابلين للبدانة.
ومن الضروري أن تَتعرفي على الإشاراتَ التي تُشيرُ إلى الأكل من أجل الراحةِ الانفعاليةِ وأن تُطوّري إستراتيجية مجابهة لكَسْر هذا النمطِ من الأكل. فالأكل للأسبابِ الانفعاليةِ سَيُسبّبُ زيادة الوزنَ غير المرغوبةَ والتي قَدْ تُعزّزُ وتضخم من المشاكل التي تَتعاملين معها.... وهناك العديد مِنْ محفزات الأكل الانفعاليةِ التي يُمْكِنُ أَنْ تَقُودَك للأَكْل وأنت لَسْت جائعة حقاً. والأكل لكُلّ الأسباب الخاطئة مشتركٌ بين كثيرين من الناس. ومعظم زائدي الوزن لَهُم تجارب طويلة ومتكررة مع الأكل الانفعاليِ. فماذا تستطيعين عمله لتَحويل هذا السلوكِ إلى سلوك أكثرِ إيجابية من الناحية الصحيةِ؟
المطلوب هو أن تتعلمي بالتدريج كيف تفرقين الرغبة في الأكل استجابةً للجوع -وهو ما يجب أن تأكلي استجابة له- من الرغبة في الأكل استجابة للغضب أو الحزن أو التوتر أو الشعور بعدم الأمان أو حتى الشعور بالنصر والانتشاء!! -وكلها حالات لا يجب أن نأكل استجابة لها- بمعنى آخر يجب أن تعرفي في كل مرة تشعرين فيها بالرغبة في الأكل لماذا تريدين الأكل الآن؟ وتستجيبين بالأكل فقط عندما تكونين تريدينه لأنك جائعة.
ويمكنك يا ابنتي أن تعرفي علامات الجوع من مقالنا عن الجوع والشهية ومعاملُ الشبع والذي يسهل عليك كثيرا من الجهد ويساعدك في تغيير مفاهيم عديدة عن الأكل وعلاقته بالجسد وهو ما أراه مهما في حالتك.
ويعتبر الأكل الانفعالي مِنْ العاداتِ الأكثر صعوبةً في التغيير، ببساطة لأنه يُصبح متغلغلا جداً في حياتِنا. ومعظم الذين يعانون من عواقب الأكل الانفعالي قَدْ لا يَنتبهون له في بادئ الأمر. والحقيقة إن الأكل الانفعالي نادرا ما ينتبه له كسلوكِ -على ما يبدو- لأننا لا نَعترفُ حتى بأنّنا نَعْملُه أغلب الوقتِ.... أغلب الوقت الذي نُواصلُ فيه تَنَاوُل طعام خفيف عشوائياً ونَتساءلُ لِماذا نُواصلُ الزياَدة في الوزن؟؟ِ. لهذا فإن الشيء الأكثر أهميةً الذي يُمْكِنُك فعله هو أن تَبتكري خطة للهجومِ عليه. اتخذي قرارا واعيا بأَنْك سَتُصبحين أكثر إدراكا لمتى وكيف تَأْكلُين.
ومِنْ الضروري أَنْ تَكُوني مدركَة لأن التخلص من الأكل الانفعاليِ هو عملية ولَيست تحولاً فورياً. لذا، سَتَحتاجين لإلزام نفسك بأنّك سَتَلتزمين ببرنامج معين لإتمام العمليةِ. ودون ذلك، فإنك سَتَستأنفين عاداتكَ السيئة الحالية عاجلا أو آجلا ولو انقطعت لفترة عن الأكل الانفعالي.
ثقي بنفسك -فبدون أنْ تَكُوني واثقة في قدرتِكَ أَنْ تُسيطري على الأكل الانفعالي وتضعي نهاية له، لَنْ تَنتصري-. تَحتاجين لفَهْم أنه كأيّ عادة سيئة، ستكون هناك حالات تَتمنّين فيها العَودة إلى عادتك القديمة (الراحةِ المألوفةِ والخاطئةِ بالأكل). على أية حال، إذا كنت تَعتقدين بأنّك يُمْكِنُك أَنْ تَتوقّفي عن الأكل الانفعالي فسَتَكُونين قادرة على مُقَاوَمَة ذلك الإغراءِ وتتحسّنُ حياتَك.
إذن عليك أن تعرفي جيدا ما هي محفزات الأكل الانفعالي لديك وحبذا لو تقومين بكتابتها وفهمها لتعرفي ما تفعلينه دون دراية منك وليس ناتجا إلا عن اضطراب علاقتك بالأكل يا ابنتي وهذا الخلل هو ما يحاول برنامجنا الوصول إليه... والكتابة بالمناسبة مفيدة جدا وتحل أو تساعد بالتدريج في حل مشكلة كونك في الموقف الانفعالي لا تنتبهين ولا تتذكرين أنك لا يجب أن تأكلي دون جوع (اكتبي في مفكرة صغيرة متى أكلت؟ ولماذا أكلت؟)... هذا يمكن جدا أن يزيد في المستقبل من وعيك بسلوك الأكل.... وهذا يقودنا للجزء الثاني من ردي عليك:
نصائح حضرتك جميلة ولكن غير عملية.... ودون أن أناقشك في مفهوم العملية -أي كون الشيء عمليا- أقول لك أن نظام الكلية التي تتابعين بالتوفيق إن شاء الله يجب عليه أن يكون عمليا ما دام يأخذ الطالب أو الطالبة يوما كاملا... يعني يجب أن يسمح بوقتٍ للأكل كما يسمح بوقتٍ للصلاة... فإن لم يكن يسمح -وهذا هو الغالب- فإن علينا تطويعه يا هدوء.... يعني مثلما ضبطت نفسك ومواعيدك لتقومي بأداء فريضة الظهر لأنها ستضيع عليك إن لم تؤدها في وقتها فإن عليك ضبط نفسك أيضًا إذا أردت أن تأكلي في موعدٍ ما أثناء وجودك في الكلية... وبرنامجنا يا هدوء يقوم أساسا على تغيير النظرة إلى سلوك الأكل بصفة عامة واحترامه وتخصيص وقت واستعداد معين له.
يعني هذا الكلام أن عليك أن تمتنعي بالتدريج عن الأكل بدون جوع (وهذه ليست من نصائحي وإنما من أوامر سيد الخلق محمد عليه الصلاة والسلام نحن قوم لا نأكل حتى نجوع) وعن الأكل بغير استعداد للأكل لأن للأكل فروضا وسننا وآدابا تجعل الأكل بغير استعدادٍ صفة للبهائم وليست من صفات المسلمين كما أنبأ عنها رسول العالمين عليه الصلاة والسلام..... ولنسترجع الحديث الشريف كما جاءَ في الخصال عن الرسول صلى الله عليه وسلم في وصيته لعلي رضيَ الله عنه: "يا علي اثنتا عشرة خصلة ينبغي للرجل المسلم أن يتعلمها في المائدة: أربع منها فريضة، وأربع منها سنة، وأربع منها أدب، فأما الفريضة فالمعرفة بما يأكل، والتسمية، والشكر، والرضا وأما السنة: فالجلوس على الرجل اليسرى، والأكل بثلاث أصابع، وأن يأكل مما يليه ومص الأصابع وأما الأدب: فتصغير اللقمة، والمضغ الشديد، وقلة النظر في وجوه الناس، وغسل اليدين" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
صعبٌ جدا أن نلتزم بألا نأكل حتى نجوع.... لكن الصعوبة تكمن في استسهالنا لسلوك الأكل، واعتباره نشاطا عاديا، وحقيقة الأمر في الإسلام ليست كذلك!، فمثلا إذا أردنا تحليل الفرض الأول من فروض الأكل في الإسلام أي المعرفة فإننا نجد معرفة لمَاذا نأكل واجبة -مثلما تجب المعرفة بما يأكل- أي يجب أن أعرف هل أنا الآن جائع أم لا؟ وهذه المسألة أي معرفة الإنسان هل هو جائع أم لا أصبحت صعبة على أغلب بني البشر الآن وخاصة على مضطربي العلاقة بالجسد فهم لا يعرفون كيفية التفريق بين الجوع الحقيقي والاشتهاء لطعام معين برغم أن الأمر فطري أصلا إلا أن الفطرة تغيرت يا هدوء.... وأصبح الالتزام بخطوات المرحلة الأولى من البرنامج لازما من أجل محاولة تعديل ذلك الخلل..... وإن لم تجدي ذلك عمليا لزيادة الوعي بسلوك الأكل وإصلاح العلاقة به وبالجسد فقولي لنا حلا آخر وأرسليه لعله يكون أسهل.... وأهلا وسهلا بك دائما على مجانين.
ويتبع...............: ماذا نفعل مع الطعام في الأوقات الحرجة؟ مشاركة1
واقرأ أيضاً:
جدد علاقتك بأكلك وجسدك(المرحلة الثانية) / نصائح لمتبعي برنامج جدد علاقتك بأكلك وجسدك / جدد علاقتك بأكلك وجسدك متابعة مشاركة