أكتب إليك الآن يا سيدي الفاضل وأتمنى من الله عز وجل أن تقرأ كلماتي هذه..
لو سمحتم يا ملائكة ربي: أعطوا الشيخ لابتوب ليقرأ ما أكتبه له على هذا الموقع
لم أكتب لك طيلة حياتي, ولم أرك إلا مرات معدودة عبر شاشة التلفاز..
كنت دائما أتعجب منك: كيف استطعت أن تقيم الدنيا وتقعدها وأنت الإنسان -واعذرني لهذه الكلمة- العاجز الكسيح ؟؟
وطالما تساءلت: ألم تملّ؟؟
ألم يدخلك اليأس يوما ما؟؟
ألم تتعب من هذه الحياة؟؟
لا أخفيك يا أبي العزيز واسمح لي بأن أناديك أبي, لأنني أحس فعلا بحنان أبوتك يسري في أعماقي, ولهذا قررت أن أنضم إلى أولادك إنني حينما كنت أتفرج على حادثة اغتيالك صبيحة يوم استشهادك, لا أخفيك أنني شعرت بالسعادة؟؟ هل تعلم لماذا؟؟
لأن الله تعالى كتب لك الشهادة وأنت على كرسيك المتحرك هذا.. بل كتب الشهادة لكرسيك المتحرك أيضا.. يا الله.. كم أنت رحيم يا رب.. أبيت يا رب إلا أن تجعل الكرسي يرافق صاحبه إلى الآخرة.. هذا الكرسي الذي خاض هو الآخر حياة مليئة بالجهاد والتضحيات..
يا لسعادتك أيها الكرسي.. فأنت الآن مع الجذع الذي حنّ إلى النبي.. هنيئا لكما..
وهنيئا لك يا أبي الشهادة.. أنت تستحقها فعلا..
حياة مثل حياتك لا بد أن تُختم بهذه النهاية الرائعة..
لن أنسى يا أبي ابتسامتك لنا حين كان أبناؤك يشيعونك إلى مثواك الأخير.. مع أن منظر جثتك لا يوحي بأن صاحب هذه الجثة سعيد!! ولكنك أثبت لنا أنه ومنذ أن تفارق الروح الجسد تصبح للأمور أحكام أخرى..
شعرت بالسعادة من أجلك لأنك نلت الشهادة, وشعرت بالحزن أيضا لأننا فقدناك.. آه من لوعة الفقدان كم تحز في النفس..
وشعرت بالغضب يتفجر في أعماقي على قاتليك الـ.. لن ألوث لساني بذكر صفاتهم..
جعلت أنظر إلى دمائك على أرض الشارع.. ممتزجة بدماء من استشهدوا معك.. هذه الدماء القانية.. شممت عطرها يفوح في غرفتي.. وأحسست بحرارة هذه الدماء تسري في عروقي..
سأقول لك الآن سرا.. قبل استشهادك بأسابيع كنت أدفع بهمّتي على كرسي متحرك.. كانت همتي للعمل والبناء ضعيفة جدا.. وقبل استشهادك بأيام توقفت عجلات كرسي همتي تماما.. لم أعد أجد أي رغبة في العمل.. ضغوط الحياة تضغط علي وفي النهاية تنتصر هذه الضغوط لتردي إرادتي دون إرادة.. ولتحول همتي إلى مسخ همة..
ولكن هل تدري ماذا فعلت بي دماؤك؟؟
يبدو أنها لم تحركك أنت فقط مع أنك كنت حبيس جسدك.. بل حركتني أنا أيضا..
كم خجلت من نفسي حين رأيت تقزّمني أمام عملقتك.. مع أنك ضئيل الجسد يا والدي..
أظن أن شارون لن يندم على شيء فعله طيلة حياته الإجرامية كما سيندم على قتلك, هل تدري لماذا؟؟
لأن دماءك التي فجرها هذا السفاح تلقفتها عروقنا وأجسادنا فسرت فينا لتبث روح الحياة من جديد.. روح الحياة التي ليست جسدا قويا ولا ساقين تمشيان.. روح الحياة هذه هي إرادة حديدية لا تعرف المساومة وهمة لا تفتر وطموح لا يعرف القناعة بما دون النجوم..
لقد تمزق مع كرسيك المتحرك كرسي همتي العاجزة..
تابعت أيضا كل ما قيل عن حياتك وعن رحلة جهادك.. ما شاء الله.. ربنا يهنيك بالشهادة يا أبي.. ويرزقنا إياها بعد طول عمر في سبيله..
لم أزدد إلا إحساسا بضآلتي أمام عظمة نفسك..
موتك يا والدي غيّر فينا الكثير.. لأنك فعلا آية من آيات الله في هذه الأرض.. هل تدري يا أبي أن موتك لم يؤثر في الكبار فقط.. بل في الأطفال
أيضا.. حتى الأطفال علت هممهم وصار لهم هدف في الحياة.. وهو: تحرير فلسطين..
والآن.. لا أجد ما أودعك به إلا أن أقول: لا تقلق يا أبي على فلسطين, لأنها ورب الكعبة ستعود.. ولن تذهب دماؤك ولا لحظات جهادك أنت ولا كرسيك أدراج الرياح.. لقد صببت فينا همة لن تفنى قبل أن نحقق هدفنا: تحرير فلسطين.. ورفع راية لا إله إلا الله..
فهنيئا لك يا والدي الجنان التي تتحرك فيها كما يحلو لك الآن, ولكن لي طلب: قد لا تكتب لنا الشهادة كما كتبها الله لك.. فاشفع لنا يوم الحساب, فالشهيد يشفع في 70 من أهل بيته, هذا الشهيد العادي, أما الشهيد غير العادي مثلك فأعتقد أن هذه السبعين ستتلوها أصفار كثيرة.. منة من الله عز وجل..
فمن كان له ملايين الأولاد في شرق الأرض وغربها, أكيد سيكون له حكم آخر!!
وأنا ابنتك فلا تنس أن تشفع لي مع أهل بيتك..
ابنتك التي لم تعرفها في الدنيا
وستعرفها في الجنة إن شاء الله
المتحررة من كرسيها المتحرك
واقرأ أيضًا:
فلسطين..... الجهاد في متناول الجميع / عرس للشهادة في كل بيت