إن أرض فلسطين أرض عربية منذ أن هاجرت القبائل الكنعانية العربية من الجزيرة العربية قبل ما يزيد على خمسة آلاف سنة واستقرت في فلسطين، فعمرتها وبنت المدن، وزرعت الأرض، وأخرجت للعالم تراثا حضارياً باقياً إلى يومنا هذا، فمعظم المدن الفلسطينية التي نعرفها هي من بناء الكنعانيين العرب مثل: حيفا - يافا - بيسان - غزة - حبرون، وأهم تلك المدن مدينة القدس التي بنتها قبيلة يبوس إحدى القبائل الكنعانية حوالي سنة 2200 ق.م وأطلقت عليها اسم أوريساليم أي (مدينة السلام)، ومع مرور الوقت تغيرت الكلمة بفعل تداخل اللغات القديمة فأصبحت (أورشليم). وهذا الأمر يؤكد لنا أن أورشليم مدينة كنعانية عربية لا علاقة لها بالتاريخ اليهودي كما يدعي الصهاينة اليوم.
في سنة 1850 ق.م هاجر إبراهيم عليه السلام من أرض الكلدانيين في العراق واستقر في مدينة حبرون (الخليل) الكنعانية كما ورد في قوله تعالى (وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء:71). وعاش في وسط الكنعانيين وعمل عليه السلام على نشر ديانة التوحيد "الحنيفية" بين الكنعانيين فاعتنق كثير منهم عقيدة التوحيد ومن أشهر أولئك ملك أوريساليم اليبوسي الكنعاني مليكي صادق الذي بنى مع سيدنا إبراهيم المسجد الأقصى في البقعة المباركة التي أمره الله تعالى بالبناء عليها، وهو ثاني البيوت التي أقيمت لعبادة الله بعد المسجد الحرام فقد ورد عن الرسول الكريم أن بين بناء المسجد الحرام بمكة وبناء المسجد الأقصى حوالي أربعين عاماً وكلاهما من بناء إبراهيم عليه السلام.
أنجب إبراهيم عليه السلام اثنين من الأبناء الأول إسماعيل عليه السلام الذي رحل به والده إلى وادي غير ذي زرع مع والدته هاجر، والثاني إسحاق من زوجته سارة، وقد عاش إسحاق عليه السلام في فلسطين وأنجب ابنه يعقوب عليه السلام الذي يحمل اسماً آخر ورد في القرآن وهو إسرائيل الذي يعني عبد الله، وقد أنجب اثني عشر ولداً أشهرهم يوسف عليه السلام، وهؤلاء هم الذين عرفوا باسم بني إسرائيل، أما ما يدعيه اليهود الآن من أنهم من نسل إسرائيل فهذا الأمر لا يستند إلى حقيقة تاريخية، فليس كل من اعتنق الديانة اليهودية هو من نسل بني إسرائيل لأن الديانة اليهودية في تلك الفترة كانت قد انتشرت بين الشعوب المقيمة في المنطقة، كما أن الملاحظ في تلك المرحلة أن عقيدة بني إسرائيل كانت الإسلام وليست اليهودية، وقد أكد القرآن الكريم هذه الحقيقة في قوله تعالى (أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (البقرة:133). ولم يكمل أبناء يعقوب عليه السلام حياتهم في فلسطين إذ انتقلوا مع أخيهم يوسف إلى مصر ولم يتجاوز عددهم أربعة عشر فرداً.
عاش بنو إسرائيل في مصر مدة خمسة قرون، لاقوا من فراعنتها أشد أنواع العذاب كما ورد في القران الكريم إلى أن أرسل الله تعالى لهم موسى عليه السلام ليخلصهم من نير فرعون حوالي سنة 1200ق.م فخرج بهم موسى من مصر وعبر بهم شبه جزيرة سيناء التي أظهر فيها بنو إسرائيل العديد من مظاهر الكفر وسرعة الارتداد إلى الشرك كما ورد في القرآن الكريم، وأراد موسى عليه السلام أن يعبر بهم إلى الأرض المباركة (فلسطين) كما جاء في قوله تعالى (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ) (المائدة:21). لكنهم رفضوا بجبنهم وخوفهم من مواجهة أهلها فقالوا لموسى عليه السلام(اذهب أنت وربك فقاتلا إناّ هاهنا قاعدون) فحرّمها الله تعالى عليهم فلم يتمكنوا من دخول فلسطين إلاّ مع يوشع بن نون عليه السلام، والملاحظ هنا أن الغزاة الجدد لم يكونوا أربعة عشر شخصاً كما خرجوا منها بل أكثر من 350 ألفاً من نسل بني إسرائيل (ملاحظة: مع احترامي الكبير لكاتبة المقال الاستاذة ايمان الوزير اعتقد ان هذا الرقم غير دقيق. حيث ان 14شخصا لا يمكن باي حال من الاحوال ان يتكاثرو خلال خمسة قرون ليصبح عددهم اكثر من 350 الفا. مما يدل, لو كان عدد الخارجين من مصر صحيحا, ان هناك الكثير منهم ليسو من نسل بني اسرائيل بل من المصريين القدماء وغيرهم ممن اعتنقوا الديانة اليهودية, و هذا يعني ان دخل الى فلسطين مع النبي يوشع بن نون ليسو فقط من نسل بني اسرائيل – د. سعيد).
نجح داود عليه السلام حوالي سنة 950 ق.م في الاستيلاء على أورشليم والجزء الأوسط من فلسطين ونجح في إنشاء دولة في القسم الأوسط من فلسطين عُرفت باسم مملكة داود وسليمان عليهما السلام، وأعاد سليمان عليه السلام بناء المسجد الأقصى الذي بناه إبراهيم عليه السلام وهو ما يُطلق عليه اليهود اسم الهيكل لعبادة الله وحده على العقيدة الحنيفية (ملاحظة: اعتقد انه يجب التدقيق في صحة هذه المعلومة, حيث ان المعلومات المتوفرة لدي تؤكد ان الهيكل الذي بناه النبي سليمان كان في منطقة اخرى في القدس و كان مبنيا من شجر الأرز الذي جلب خصيصا من لبنان لبناء الهيكل – د. سعيد) فلم يكن أنبياء الله في يوم من الأيام يهوداً ولا نشروا ديانة يهودية كما يدعي اليهود اليوم ولا بنوا هيكلاً كما يزعمون، لكنهم مع مـرور الوقـت تبنوا فكرة أن المسجد أو (الهيكل) هو مكان للعبادة خاص بهم، بناءً على هذه الفكرة يدعي اليهود اليوم أن لهم الحق في إعادة بناء الهيكل المزعوم، فهم ينفون عن المسجد الأقصى فكرة القداسة ويدعون أن الهيكل وجد منذ عهد سليمان لهم وحدهم وكأنما أصبح أنبياء الله تعالى يهوداً بزعمهم وأصبحت أماكن عبادة الله تعالى ملكاً خاصاً بهم.
بعد وفاة سليمان عليه السلام انهارت الدولة التي لم يزد عمرها عن الثمانين عاماً، وقد جاء انهيارها على يد الآشوريين ثم البابليين بقيادة نبو خذ نصر الذي قتل أعداداً كبيرة منهم وسبى بعضهم فيما عُرف في التاريخ بالسبي البابلي. وتحت هذا الضغط فرّ قسم من بني إسرائيل إلى بلاد شتى منها مصر أو الجزيرة العربية فتشتت بنو إسرائيل في بقاع الأرض تحت ضغط الغزاة أو بفعل الهروب من مكان إلى آخر على عكس الكنعانيين -أهل البلاد الأصليين- الذين بقوا في مدنهم وقراهم وصمدوا في وجه الغزاة وتعايشوا مع الغزاة وارتبطوا بالأرض التي ارتبطت بهم.
وقد يعتقد البعض أن وجود دولة لبني إسرائيل حكمها داود وسليمان مدتها 80 عاماً تعطي لليهود الآن وبعد مرور أكثر من ثلاثة آلاف سنة حقا تاريخياً في أرض فلسطين؟ لو كان الأمر كذلك لكان للرومان حقوق تاريخية في فلسطين لأنهم حكموها أكثر من ثلاثة قرون، ولكان للفرس حقوق أيضاً فقد حكموا فلسطين أكثر من 200 سنة، ولكان للعرب المسلمين حقوق في أسبانيا فقد حكموها حوالي ثمانية قرون، ولو فكّر العالم كله بطريقة الحق التاريخي لدخل العالم في صراعات لها بداية وليس لها نهاية.
إن الناظر إلى أرض فلسطين نظرة جغرافية يجد أنها حلقة وصل مهمة تربط القارات الثلاث بعضها ببعض، وقد كانت منذ القدم ممراً للغزاة القدماء الفراعنة والفرس والبابليين والآشوريين والإغريق ثم الرومان، ولو قارنّا فترة حكم الكنعانيين لأرضهم لوجدناها تزيد على 3500 سنة أي أنها تفوق فترة حكم كل الغزاة لأرض كنعان "فلسطين"، كما أن الكنعانيين بعد فقدهم للدولة لم يخرجوا من أرضهم ولم يفرّوا منها بل صمدوا ورابطوا ووقفوا في وجه الغزاة لأن اعتقادهم أنهم باقون والأرض باقية والغزاة في النهاية راحلون ولو بعد حين، فالشعب الفلسطيني اليوم في معظمه يعود إلى أصل عربي وجذوره تعود إلى العهود الكنعانية.
أما بنو إسرائيل فبعد انهيار المملكة الموحدة تشتتوا في أنحاء الأرض قسم منهم عاش في العراق وبعضهم هرب إلى مصر وارتحل جزء منهم إلى أوروبا في فترة حكم الرومان لفلسطين. هذا الشتات الذي بلغ عمره أكثر من 2000 سنة لا يمكننا أن نقول بعده بأن يهود العالم اليوم الذين يقطنون ألمانيا أو إيطاليا أو روسيا وفرنسا واليمن والحبشة والعراق وسوريا والمغرب العربي كل هؤلاء من بقايا بني إسرائيل فكثير من الشعوب القديمة في فترة قديمة من التاريخ وقبل ظهور المسيحية اعتنقت الديانة اليهودية. ونلفت النظر هنا إلى معتقد يهودي مهم ففي حالة زواج اليهودية من غير زوج يهودي يصبح أبناؤها يهوداً، فلا يمكن الجزم بأن يهود العالم الآن هم من بقايا بني إسرائيل (أبناء يعقوب) كما يدعي اليهود اليوم وإنه لمن قبيل السخرية حقاً أن نظن للحظة واحدة أن يهود الفلاشا في أثيوبيا هم من بقايا نسل إسرائيل.
اقرأ أيضاً :
وثائق مقبرة عنخ آمون تنسف مزاعم اليهود في فلسطين/ بدايات الاستيطان اليهودي في فلسطين