وسواس قهري فكري بالله، وسواس الشك بالله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أنا بنت كنت ملتزمة جداً، ومحبَّة لله، وحافظة بعض أجزاء من القرآن االكريم في بداية العشرينات إلى أن جاء يوم وبدأ عندي وسواس الشك بالله، من هذا الله الذي تعبدينه وتحبينه كل هذا؟ كيف يستطيع أن يرانا كلنا والضمان أنه موجود وشكوك حول كل شيء يخص الدين القرآن والسنة والجنة والنار حتى الموت، وكانت الوساوس قهرية كثيفة جداً، ومستمرة حتى خلال النوم، ووصلت إلى درجة عدم النوم لمدة أكثر من 48 ساعه، وأعصابي كلها منبه، وجسمي يرتجف، وحرقة في القلب، كنت أحاول الجواب عليها، لكن دون جدوى، ونفسي لاتقتنع بأي إجابة.
ذهبت إلى دكتورة، وقالت لي أنَّه وسواس قهري خبيث، بالأوَّل بدأت العلاج بمودابكس 150ملغ صباحاً، وكيتابين 200 ملغ مساءاً، لمدة أكتر من سنة، وبعدها أنزلنا جرعة العلاج إلى النصف في السنة الثانية، وتقريباً تم التحسن والشفاء بشكل ملحوظ، وبعدها توفي والدي، وصار عندي ضغوط نفسية، بعد إيقاف العلاج بسنة رجع الوسواس أكتر من قبل، وأنا الآن أعاني منه، وعدت إلى الطبيب، وأعاد لي الدواء مرَّة أخرى، وقال لي أنِّي شخصيَّة كاتمة لمشاعرها جداً، لذلك نفسك تعبر عن نفسها بالاضطرابات والقلق.
والمشكلة لم أعد أدرى هل أنا مؤمنة أم كافرة أنا مؤمنة بوجود الله أم لا. أفكار كثيفة، وكل الأفكار لها عندي أجوبة، ولكن نفسي لا تقتنع بها، ولا تقتنع بأيَّ شيء جدال لأجل الجدال. ماذا أفعل أوبخ نفسي، وأقول لها حتى بعض الملحدين قالوا أن علينا أن نؤمن بأن لهذا الكون إلها، وأنت غبية لا تعرفين شيء ومصرة على عماكي. من أنت. ولماذا كل هذا الكبر.
أقول لها بالعقل، وأعيد قصة بدء الخلق والكون من الأول، وكلَّه بالحقائق العلمية، ليس فقط الدينية، ولكن عبث لا يوجد نتيجة... وأعود وأسجد لله وأبكي، وأدعوه أن يرحمني، وإن كنت لا أعرفه.
كيف أتخلص منها وأستعيد إيماني بالله؟ كيف أجبر نفسي على الإيمان من غير وسواس؟
أفيدوني يرحمكم الله، أرجوكم.
19/7/2016
رد المستشار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
للأخت الفاضلة نقول إن مفتاح التعامل مع الوسواس في أمرين، الأول هو أن نفهم أن الوسواس فكرة غريبة عن الذات egodystonic ، أي أنها لا تمثل صوت الأنا وبالتالي لا تعبر عن مفهوم الذات EGO الذي يواجه به الإنسان العالم، فعندما يقول الوسواس مثلا إنه لا دليل على وجود الله، فهذا لا يعني أنك انت التي تقولين ذلك، وبالتالي فلا يجب أن تشعري بالذنب لأن هذه الفكرة تتردد في ذهنك، لأنها في النهاية لا تعبر عنك، وليست جزءا من الفكر الذي اختارته "ذاتك" لتعتمده وتواجه به الحياة.
ولذلك فمن حكمة الشرع الحنيف أنه لا يحاسب الإنسان على أفكاره ومشاعره كلها ولكنه يحاسبه على الأفكار والمشاعر التي اختارها لنفسه ليحولها إلى سلوك واقعي، وقصة نزول الآيتين الأخيرتين في سورة البقرة توضح ذلك، فعندما نزلت الآية تتحدث عن الحساب على الأفكار "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله"، شكا المؤمنون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم صعوبة التحكم في أفكارهم، فنزل التخفيف في الآية التالية : "ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا"
وأما الأمر الثاني الذي ينبغي فهمه عن الوسواس فهو أنه فكرة غير طبيعية، وغير منطقية، فهي تعتمد على الإلحاح وليس على الإقناع، والحوار معها بالحجة والمنطق لا يؤدي إلى أي نتيجة، فهي لا تهدف إلى إقناعك بل تهدف إلى إغاظتك وإشغالك عن الأفكار والأعمال النافعة في حياتك، فالحل معها لا يكون بجلب الدلائل والبراهين على عدم صحتها، ومحاولة التخلص منها بشتى الطرق، ولكن الحل يكون بإهمالها وإظهار عدم الاكتراث بما تردده من مقولات بلهاء تخالف العقل والمنطق، وأن نتركها تردد ما تردده حتى تمل؛
كتعاملنا مع شخص فاقد للعقل يهذي بما يهذي به، فليس من العقل أن نستمر معه في الجدال بعد أن تبين لنا فساد عقله ومنطقه، والفكرتان كما ترين تكمل إحداهما الأخرى، فإذا نحجنا في التخلص من الإحساس بالذنب من جراء الفكرة نجحنا في إهمالها عدم الاكتراث بها وإشغال نفسنا بالنافع من الأفكار والأقوال حتى تضمحل وتختفي بإذن الله، والعلاج الدوائي عامل مساعد على النجاح في ذلك، وهذا في حد ذاته أكبر دليل على أننا نتعامل مع مرض وخلل بآلية التفكير ولا نتعامل مع ضعف بالإيمان أو بعد عن الله.
شفاكم الله وعافاكم والله المستعان......
ويتبع >>>>>: الآنسة ها ووسواس الشك بالله ! م