الوسواس القهري.. وسوسة أم نقص معرفة
بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
في البداية أحب أن أبدي إعجابي بموقعكم الجميل الذي أحسبه وأسأل الله بلا رياء أنه فريد من نوعه وفي قلبه وقالبه.. وأريد طرح مشكلتي وأسف إن كنت سأطيل. فأنا طالب في كلية العلوم وعمري 20 سنة. أعاني من الوسواس القهري منذ سنتين أو ما يزيد، وهي بخصوص الطهارة. والأعراض سأقولها حسب الترتيب الزمني حيث بدأت عندما كنت أتبول واقفا وبدأت الوساوس تأتي بسبب ما يأتي بخاطري من أسئلة.. هل أصابني شيء من رزاز البول أم لا؟ وأجيب على نفسي أنه لا لم يصيبك شيء. وأكمل ممارساتي اليومية بشكل طبيعي.. لكن التفكير لا يترك دماغي أبدا وأعاود التفكير ومرة بعد أخرى لم أستطع المقاومة، وبعد ذلك قرأت أحد الفتاوى أنه من آداب قضاء الحاجة الجلوس لتجنب رزاز البول وهكذا.
وحسبت ذلك أنه سيريحني من الوسوسة لكن ما لبثت أن عادت بشكل آخر ورحت أسأل المزيد من الأسئلة هل فعلا بذلك تجنبت الرزاز أم لا؟ .. ربما لا ،وملابسك ألم يصيبها شيء من ذلك أو من المياه المتطايرة من الاستنجاء؟.. ربما لا.
وهكذا يذهب بي الظن أنه لا مأمن من رزاز البول فأغسل المنطقة الخلفية بالشطاف وبيدي وتعاود الأسئلة من جديد ثم بيدي وعندما كان الشك يزيد أغير ملابسي كاملة وأحيانا أخرى أستحم حتى كنت أستحم ما يزيد عن 3 أو 4 مرات في اليوم وهذا ما يجعلني أقضي غالبية اليوم في الحمام.
كذلك نفس الشيء عند الغائط والتطهر منه يصيبني الوسواس. لكن في الفترة الأخيرة قلت أنه لا مفر من التجنب الكامل لذلك قررت أن أتجاهلها.. وأقول لنفسي يجب أن تبعد هذه الوساوس عن مخك لكني لا أستطيع مقاومة التفكير في النجاسة وأعاود التطهر وتغير ملابسي خوفا من الله حيث يجب أن يكون الملبس والجسم طاهرين سواء عند الوضوء أو الصلاة أخشى أن لا يقبلها الله بسبب نجاستي.
وبسبب ذلك أصبحت أخشى الأكل والشرب لتجنبب دخول الحمام أو أحقن البول والغائط (بقيت شايل هم الحمام) حتى لا أتنجس وأحافظ على طاهرة الملبس على الأقل وهذا يؤرقني في الصلاة حيث أنه لا تصلح الصلاة وأنا حاقن أو أدافع الأخبثين وهذه مشكلة أخرى.
كذلك تتعاظم المشكلة أيام الدراسة حيث الدراسة تستمر لمدد طويلة جدا ممكن من الصباح الباكر وحتى الليل وما يؤرقني هو الصلاة وأنا حاقن أو حابس أرجو الله أن يسامحني وأقول ما باليد حيلة حيث لا أستطيع قضاء الحاجة في حمامات الكلية إما لقذارتها أو لعدم الاحتراز من رزاز البول عند الوقوف وأصبحت هذه مشكلة مزعجة جدا وأنا لا أتوقف عن التفكير في النجاسة وممكن أني لا أخرج مثلا في أيام الإجازة لهذا السبب وغيره من الأسباب كما سيأتي.
الشيء الذي أعتقده الأخير بالنسبة لهذه النقطة هي عندما أكون حاقن للبول أو الغائط أشعر بنزول شيء مما يجعلني أقلق وأغير ملابسي كلها الداخلية والخارجية مما يسبب لي مزيدا من الأرق والوسوسة.
المشكلة الثانية هي الجنابة سواء في المذي والمني:
1- بالنسبة للمذي قرأت في فقه السنة لسيد سابق أنه يجب التطهر منه لنجاسته والاستنجاء ورش الملابس بالماء وإذا أصاب البدن وجب غسله. والمشكلة تكمن في:
ا- عند رش الملبس أوسوس بسبب عدم معرفة أي جزئ أصيب بالمذي. فأرش الماء الكثير مما يصيبني بالضيق من هذا البلل المستمر والإسراف في الماء، كذلك أفكر في لو أنه أصاب الملابس الداخلية فلابد أنه أصاب البنطلون والتي شيرت والقميص علي أساس أنه سائل وينفذ خلال مسام النسيج خصوصا وأنا أعاني من كثرة المذي سواء عند التخيل أو المشاهدة أو من غيرهما مما يجعلني أرش الماء وأغرق نفسي والملابس وأنا لا أستريح لذلك والسؤال هو هل يجب رش الملبس الملاصق للقضيب فقط أم كل الملابس التي تقع في منطقة الحوض من الجسم من قميص وتيشرت وبنطلون أو جلباب؟
ب- بالنسبة لمقولة (وإذا أصاب البدن وجب غسله) هل معنى ذلك أنه يجب الغسل بمعنى الاستحمام أم غسل المنطقة المصابة بالمذي بمعنى المسح باليد وبها ماء فقط.. لكن كيف هذا وأنا في أغلب الأحيان لا أراه علي جسمي يعني ليس عندي اليقين الكامل مجرد شك؟.. فأنا لا أعرف كيف أتجنب التفكير أو هذا الشك القاتل، وبسبب هذا أقضي الوقت الطويل في الاغتسال بسبب اعتقادي أن المذي يوجب الغسل إذا أصاب البدن، وبالمناسبة ما معنى البدن.. هل هو الجسم بدون الأذرع والأرجل والرأس والرقبة؟
وبسبب ذلك كله أصبحت أخشى التخيل أو المشاهدة وأنا أعرف أن المشاهدة حرام، لكن حتى التخيل أصبحت أخشاه مما يفقدني المتعة الوقتية على الأقل حتى لا يصيب المذي جسمي أو فخذي مثلا وأضطر للاغتسال وهكذا أدور في حلقة مفرغة.
2- ثانيا بالنسبة للمني حيث أصبح يؤرقني جدا حيث بدأت أخشي النوم حتى لا أحتلم وأغتسل وأستمر في الاغتسال. ففي كل صباح أنظر إلى ملابسي هل بها بقع أم لا وأظل أفكر وأفكر مما يضيع الوقت كثيرا وأنا أنظر وأتخيل أنه هناك بقع لكني لا أراها جيدا أو غير متأكد منها وأقول لنفسي ربما هناك مني لكنك لا تراه جيدا أو أن الأمر مختلط عليك فيذهب بي الظن علي أنه هناك بقع فأغير ملابسي وأغتسل وهكذا نفس الدائرة المفرغة التي لا تنتهي وهذا يضيع الوقت أكثر وأكثر ويرهقني بدنيا وذهنيا.
فما هو الشك الذي يجعلني أغتسل؟ أم يجب أن لا أستسلم لهذا الشك مطلقا؟ أم أطاوعه على سبيل الاحتراز من النجاسة حتى وإن كانت غير مرئية ولكني أشعر بها أو أحس أن هناك شيء ما لكني لا أعرف ما هو؟ وكيف أتأكد؟ أصبحت أشعر أنه ما دمت مستيقظا فأنا نجس وكل ما أنا فيه نجاسة.
أعلم مقولة سيدنا علي –كرم الله وجهه- لو أن الدين بالرأي، لكان مسح أسفل الخف أولى من أعلاه. وهذا معناه في رأي أنه لا مجال للاستنباط والتفكير المطول في الطهارة والنجاسة على سبيل المثال ويؤكد رأيي هذا الإمام أبي حامد الغزالي في إحياء علوم الدين الجزء الثاني عندما كتب فيما معناه أن المسلمون الأوائل لم يديموا التفكير في مثل هذه المسائل بل كانوا يمعنون النظر في الظلم والرياء والطهارة الداخلية والنفسية قبل الظاهرة والخارجية. ومع علمي بكل هذا دماغي تأبى أن توقف التفكير وأظل أفكر وأفكر..
هذا إما لنقص المعرفة الدينية ولا أخفي عليك أني أخاف من قراءة الكتب الدينية والفقهية بسبب افتراض مزيد من المسؤولية التي ستلقى على كاهلي والتي سأسأل عنها يوم القيامة والتي تشعرني أني مقيد ومكتف ويأتي بذهني أني لو التزمت سأفقد المتعة في أشياء كنت أفعلها لكنها غير صحيحة في العادة أو صحيحة مما يضيق به صدري كثيرا، وأشعر بالجفاف مما يجعل عندي نوع من الخشية والريبة ويلوح بمشكلة التسويف (سوف أفعل وأفعل بعدين لما يحن الأوان) هذا يبدو متناقضا لكنه ما يدور بخلدي.
أشعر بالتناقض وكنتيجة لكل ما سبق من وساوس الطهارة والنجاسة والوساوس المعرفية الآتية بسبب الفهم المتعدد للشيء الواحد (لا أفهم الشيء مباشرة لأنه يوجد كذا احتمال بداخل ذهني) وهذا ما يزيد التفكير والأرق و... والوساوس.
أشعر أني مقيد وأسأل دائما إذا كان هذا الدين رحمة فأين هي وأنا أشعر بهذه القيود وهذه الوساوس أخشى أن يقود هذا للإلحاد والعياذ بالله. أرجو تصحيح بعض المفاهيم التي تبدو خاطئة ومساعدتي. فقد طفح الكيل وبلغ السيل الذبى. فأنا أريد البكاء ولا أستطيع خشية أن أشعر بالضعف حتى أمام نفسي فأتذكر يوما أني بكيت.
(حاسس إن دماغي بتتاكل)
ملاحظات:
1- حاولت الإلمام بما جال في خاطري.. وحكيتها حسب الترتيب الزمني.
2- أرجو الإجابة من د/ وائل أبو هندي أو د/ أحمد محمد عبد الله.
3- هل عندما يتعلق الأمر بالدين ترجعون إلى المفتي أو فقيه أم أن الإجابات مجرد اجتهادات شخصية؟ (للاطمئنان على مصداقية المعلومة ومزيد من الثقة).
أرجو الإجابة لي كاملة ولا تقولوا لي أقرأ كذا وكذا من فضلكم.
أرجو التعجيل بالإجابة
29/1/2006
رد المستشار
الابن الموسوس العزيز؛ أهلا وسهلا بك على موقع المجانين الموسوسين، رسالتك مثاليةٌ من موسوسٍ منظم العقل! لكنه مبتلى بالتعمق، ذلك الذي نهينا عنه صراحةً عنه في أمور الطهارة واقرأ على مجانين:
وسواس الطهارة عند المسلمين
عندما قرأت سطورك هذه غَمَرني جمال قول سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام "هلك المتنطعون هلك المتنطعون هلك المتنطعون" صدق صلى الله عليه وسلم، والحديث رواه مسلمُ والبخاري، وكانت تتردد داخلي وأنت تنزلق من فكرةٍ تسلطية مُجْترَّا إلى فكرةٍ تسلطية أخرى "هلك المتنطعون"، اسمع يا بني:
المتنطعون هم المتعمقون المغالون المتجاوزونَ الحدود في أقوالهم وأفعالهم، أو هم المتعمقون المشددون في غير موضع التشديد، وهؤلاء بشكل أو بآخر هم الموسوسون في أمور دينهم، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم لأحد الصحابة: "إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق فإن المُنبتَّ لا أرضًا قطع ولا ظهرا أبقى ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه" صدق صلى الله عليه وسلم، هكذا أخرجه البزّار عن جابر في الجامع الصغير للسيوطي، ومعنى المنبت هنا هو الشخص الذي يجهد نفسه ودابته في السير دون أن يعطي لنفسه أو للدابة ما يحتاجانه من الراحة واستعادة النشاط والحيوية ومن هنا فهو يفشل في الوصول إلى هدفه نتيجة لنفاذ الطاقة واستهلاك القدرة في نفس الوقت الذي يكون فيه قد فرط بدابته فلم يبق عليها، وأيضًا أذكرك بما رواه عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء" "صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم" رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه بسند صحيح.
وأزيدك أنه من أول عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى آخر عصر أصحابه رضي الله عنهم جميعا، لم تنقل واقعةٌ في الطهارة، ولا سؤالٌ عن كيفية حفظ الماء من النجاسات، وكانت أواني مياههم يتعاطاها الصبيان والإماء الذي لا يحترزون عن النجاسات!، وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يمشون أحيانا وهم حفاة، ويمرون في أماكن مختلفة، ولم ينقل عن أحد منهم أنه كان ينظر في باطن رجليه ليرى ماذا علق بها، بل ربما مروا على النجاسة اليابسة، وفي الطريق المنتنة، أو خاضوا في طين المطر، ثم صلوا دون أن يغسلوا أرجلهم.
أتدري ما قد يصل إليه فقيهٌ أو عالمٌ مسلمٌ بعدما يبلغ به فقهه لعلمه أعلى ما يعلو؟ إنه كثيرٌ والله يا بني! لكن ما أود إبلاغك هنا والتأكيد عليك به هو أن من الأساسيات التي يجبُ أن نؤمن بها أن الله سبحانه وتعالى جعل إدراك الإنسان محدودا، ولما كان الإدراكُ سبيل العلم فإن قدرة الإنسان على العلم محدودة، ولذا فإن الله جل وعلا يحاسبنا على ما نعلمه بأساليب إدراكنا المباشرة وهي الحواس الخمسة اختزالا، ثمَّ نهينا عن التعمق وعن المبالغة وعن التنطع وهذا في كل ما لا نعلمه، لأننا نحاسبُ بحدود علمنا للظاهر، فإن علمنا عن باطنه فعلينا العمل بقدر علمنا، وإن جهلنا فإن صاحب العفو ربنا، ورسوله صلى الله عليه وسلم يقول عفي عن أمتي الخطأ والنسيان.
وليست أمور الطهارة والنجاسة مجموعة باستثناء مما سبق بل هي في أرجح الفقه الإسلامي تميل نحو التجاوز والعفو من الله، وسلوك سيد الخلق صلى الله عليه وسلم في طرد الوساوس بنزول قطرات البول بعد التبول حين كان ينضح فرجه فإذا وجدَ بللاً قال : هذا أثر الماء، كما رواهُ أبو داود، خير مثالٍ على ذلك، ولجعل التيمم وهو مسح ظهري يديك ووجهك بالتراب براحتيك، بديلا مساويا للوضوء بشروط التيمم المعروفة، والأمثلة على التخفيف والعفو والتسامح لا حصر لها، وعلى من يتعمق وزرٌ إضافة إلى أنه يعذبُ نفسه!
أحسب أن فيما تقدم الكفاية، وأنصحك بأن تقرأ الموجود على الموقع فيما يخص الوسواس القهري سواء في صفحة استشارات مجانين أو صفحة نطاق الوسواس القهري، ويبقى لدي تساؤل كبير هو لماذا لم تلجأ بعد الله إلى طبيب نفساني يستطيع تقديم العلاج اللازم لحالتك، واقرأ ردي السابق على موقعنا مجانين: مسلم يعاني من الوسواس القهري:ماذا عن العلاج؟، وأيضًا: متابعتي معه،
ثم تابعني بالتطورات.
ويتبع>>>>>: وسواس الطهارة: هلك المتنطعون مشاركة