خوف شديد من المستقبل والموت
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، اسمي نجمة، عمري 23 عاما، من سورية الجريحة وأقيم في دولة الكويت، أعلم أن همومي قد تكون بسيطة جداً ولا أهمية لها إلا أنني أريد الانتهاء حقاً من كل هذه الأفكار والهواجس التي تجتاح فترات كبيرة من أيامي وأوقاتي.
تخرجت منذ سنتين (عام 2011 أثناء بدايات الثورة السورية) في جامعة سورية وأمضيت أربع سنوات في مدينتي الأم من أجمل سنوات عمري، تعرفت على زملاء وزميلات من أرقى الناس وعشت في سعادة حقاً، كللت هذه السعادة بتخرجي من كلية العلوم بمعدل جيد جدا وكنت أملك طموحا عظيما، وكنت قد خططت مع زميلاتي وزملائي أن نتقدم لدراسة الماجستير في نفس الجامعة وأن نعمل في مخابر الكلية ومصانع المدينة، حتى فوجئنا بتوتر الوضع في سورية وفي مدينتي بشكل خاص وكنت أذهب إلى الجامعة لتقديم امتحانات التخرج وأنا أسمع أصوات القصف واستشهدت إحدى زميلاتي وهي في العشرين من العمر مما أحزنني حزنا شديدا إلا أنني استمريت في الدراسة إلى أن تخرجت ولله الحمد.
عارض أهلي بقائي في سورية نظراّ للأوضاع المخيفة هناك وعدت إلى الكويت حيث يقطن أهلي، إلا أنني فوجئت بشكل كبير بمدى صعوبة عمل أي شيء هنا، حاولت أن أتقدم بأوراق تخرجي (التي حصلت عليها بعد 7 شهور عشت خلالها فترة يأس وانعدام كامل للإيمان بالله) للجامعات الموجودة في الكويت إلا أنها رفضتني أو أنها قبلتني ولكن طلبت مبالغ خيالية لا قدرة لأهلي على دفعها، فطرحت جانباً حلم الماجستير والدكتوراه وبدأت أبحث عن عمل، لم تقبلني أية مدرسة أو مخبر تحليل وذلك لأنني لا أملك خبرة، وقالت لي إحدى الموظفات أن علاماتي الجيدة جدا لن تساعدني في إيجاد وظيفة بقدر ما تفعل الخبرة فقلت لها كيف أحصل على الخبرة وأنتم لا تسمحون لي بالعمل معكم حتى كمتدربة فكان جوابها أن المخبر لا يقوم بتدريب أحد!!!
وكان هذا ما واجهته في كل مدرسة ومخبر قدمت على عمل فيه، ثم فكرت أن أحاول أن أدرس اختصاصا آخر ولكني لم أفعل نظراً للتكاليف الغالية، أخذت شهادة ICDL & IELTS ولكنها لم تساعدني في تحسين فرص العمل، إلى أن وجدت عملا أخيرا ولكن كسكرتيرة أقوم بإرسال فاكسات وإيميلات وأجيب على الاتصالات وبراتب ضئيل ومدير متسلط، صبرت على ما أنا فيه ولازلت في عملي الحالي.
إلا أنني ولشدة طموحي وآمالي لا أشعر بالرضا وأقسى على نفسي كثيراً فأقول لنفسي بأني فاشلة وأن قراري بالدراسة في كلية العلوم كان من أسوأ القرارات التي اتخذتها في حياتي، ودخلت بحالة نفسية سيئة جدا كرهت فيها الجميع وبدأت أفتعل المشاكل مع أهلي وأنهم هم الذين أعادوني إلى الكويت.
وتخليت عن جميع صديقاتي وحقدت على التي تعمل في وظيفة تحبها أو التي تزوجت من شاب تحبه، وأنا التي لم أجد لا وظيفة أحبها وأبدع فيها ولا شابا أشاركه حياته (علماً أنه تقدم عدة شباب لخطبتي إلا اننا لم نتفق) ولم أستطع إكمال دراستي, مما زاد من حالتي سوء هو الوضع هو استشهاد أستاذتي الجامعية في سورية وهي من أحب الناس إلى قلبي وأغلب صديقاتي وأساتذتي تشردوا مع عائلاتهم ونزحوا وانقطع التواصل بيننا نظرا للأوضاع الصعبة.
أشعر بأنني خسرت كل شيء فجأة: طموحي وأحلامي وصديقاتي وحب الحياة الذي كنت أحيا به، ولم تدخل الفرحة إلى قلبي منذ أن تركت بلدي الأم مكرهة، وخسرت أيضا إيماني بالله، فكنت أتساءل دوما عن مدى عظمة الله وهو الذي لم يوقف شلال الدماء حتى الآن في سورية وتوقفت عن آداء الصلاة وتوقفت عن عمل أي شيء يربطني بالدين، وحتى أنني فكرت في خلع الحجاب وإعلان انعدام إيماني بأي دين من هذه اللحظة.
المشكلة الأكبر التي تؤرقني هي خوفي من الموت، فأنا مقتنعة بشكل غريب بأن كل ما يجري في سورية سيمر على الجميع وأننا لن نجد من ينصرنا كما لم يجدوا من ينصرهم وأننا سنخذل من الجميع كما فعلنا بهم، وأتخيل بعقلي أنني سأخسر أقربائي في سورية أو أنهم سيذبحون ويقتلون كما يقتل الناس هناك وأبكي بشدة ولا أستطيع الخروج من هواجسي حتى أنام، إن سمعت أي أصوات عالية أخاف وأظن نفسي أنني في سورية وأن القصف قد بدأ ثم أفاجأ بوالدي يمسكني ويحاولا أن يهدآني ولا زلت على هذا الوضع إلى الآن.
دوماً أتخيل نفسي بأنني لن أتطور ولن أتقدم خطوة واحدة في حياتي وأنني سأبقى فاشلة للأبد، علما أنني ذكية ومحبة للعلم وقارئة ممتازة وأحرص دوما على متابعة آخر التطورات في مجال اختصاصي ولكنني في لحظة ما أفقد الإيمان بنفسي وقرأت كتب برمجة لغوية عصبية والعادات السبعة للناس الأكثر فعالية إلا أنني لم أشعر بتحسن في أفكاري السلبية دوما.
أريد فقط أن أؤمن بأن القادم أجمل وأن أرتاح من خوفي منها ومن المستقبل.
أعتذر على الإطالة ولكم جزيل الشكر.
09/05/2013
رد المستشار
كل التعاطف والمؤازرة لأهلنا من سورية تنزف جراحهم من دماءنا، وتحرمنا المذابح الاستمتاع بسكينة نفس، أو راحة بال!!!
من ترتيبات القدر أنني أمسكت بالقلم لأجيب على رسالتك بعد أن انتهيت من الشرح للطلاب الدارسين بالسنة النهائية من الكلية، وكان ضمن ما شرحته لهم اليومما تعيشينه، وهو النموذج المتعارف عليه باضطراب ما بعد الصدمة حيث تضطرب المشاعر والأفكار، وحيث الخوف بعضه مبرر، وبعضه زائد، أو مبالغ فيه بشكل مرضي!!
وأنت قد أفلت من الجحيم السوري بقصفه ونزيه وضحاياه، ولكنه ما يزال بداخلك في المخاوف والذكريات، والمشاعر، والخيالات! إنها ليست الصدمات المتوالية فحسب، ولكن أيضاً المتغيرات والتغيرات الفارقة والكثيفة في حياتك، الانتقال من مكان إلى مكان، ومن حياة إلى حياة، وانقلاب توقعاتك بشأن حياتك، وتأجيل تحقيق طموحاتك العلمية والعملية!!!
وانعكاس هذا على شعورك بالضآلة، أو الفشل، وندب حظك، والشعور بالذنب تجاه اختيار كلية معينة، أو تخصص بعينه!!
هذه كلها تداعيات متوقعة لانهيار عالمك الذي كان مألوف، وهي أعراض مصاحبة للأزمات والكوارث، وما تحدثه في حياة البشر الذين يتعرضون لها!!!
وحتى فإن اهتزاز ومراجعة قناعاتك الروحية وارد مصاحباً لما حصل معك، ومع من يتعرض لما تعرضت، وتتعرضين له!! وكل ما يجري في العالم من أحداث، وفي حياتنا.... قد لا نستطيع منعه ولا تغييره، ولكن نستطيع تغيير إدراكنا له، وتعاملنا معه!!
مثال:
هل ننظر إلى ما يحدث في سورية بوصفه مذابح عبثية بلا معنى، ولا سبب، ولا هدف؟!!
أم سنراه مساراً لازماً لشعب يبحث عن انتزاع حريته من نظام دموي تجذر عبر عقود، وبنى تراكمات مؤيدة له في عقول الناس، وشبكات مصالح على الأرض، وازدحمت ملفاته بالنهب، والإفساد في الأرض، والبطش المجرم –خارج القانون، والإنسانية- بمن تسول له نفسه الإنكار على هذه العصابات التي تعلو وتنتشر، وتمد جذورها في البلاد طيلة عقود مضت!!!
بالنسبة للمؤمنين فإنهم يؤمنون أن الدار الفانية، والحياة الدنيا ليست هي نهاية الحياة، ولكنها مجرد حلقة تتلو حلقات، وحيوات أخرى!!!
وغير المؤمنين يدركون حركة التاريخ، وأن الظلم لا يبقى مسيطراً إلى الأبد، ولكن تتنافس القوى، وتغير وجه الأيام، ومن سكت على الضيم حيناً لا يظل ساكتاً، والذي كان قوياً، ما يلبث أن يجد الأقوى منه، وهكذا!!!
وبالتحليل المنطقي المادي فإن ما يحدث في سورية هو مجرد نتائج متوقعة لمقدمات متراكمة، وبالمنطق الإيماني فإن هذه المحنه لابد منها حتى تولد سورية الجديدة –بإذن الله- ولا ميلاد بدون مخاض، ولا مخاض بغير ألم ودم!!!!
لا أحب أن أطيل الكلام، وأنصحك أن تتواصلي مع مجموعات السلام النفسي، وستجدين بعضها في الكويت، والموقع الجامع لها هو: www.salaminternational.org
وأرجو أن تعودي إلينا قريباً بعد اتصالك بهم، وقد تجدين غيرهم ممن تحتاجين كبيئة حاضنة وداعمة تساعدك على فهم ما تعيشين، وتجاوزه، وقلوبنا معك!!
ويتبع >>>>>>>>>> : الدم والغربة والتوقعات: متاعب نجمة!!! م
واقرأ أيضًا:
كرب ما بعد الصدمة لدى أطفال فلسطين
التعامل مع الضغوط التى يعيشها الفلسطينيون