التلفزيون التفاعلي كفكرة إعلامية يجب علينا أن نتغاضى عند الحديث عنها: هل يمكن اعتمادها أم يجب تركها، فمثل هذا الخاطب ما عاد يجدي في ظل ثورة الاتصالات التي يشهدها العالم، وخاصة أننا نتحدث عن وسيلة، بل من الحكمة أن ننظر كيف يمكن الإفادة منها إفادة نافعة لحياتنا كأشخاص، ولشعوبنا كأمة، وللناس كبشر يعيش في عالم واحد، له مشاريعه المشتركة، مع الاحتفاظ بخصوصياتك كل مجتمع.
وما قام به الأستاذ عمرو خالد من عرض الحج من خلال برنامج تفاعلي هو وفريق صناع الحياة يمكن النظر إليه من زاويتين:
الأولى: النقل المباشر لشعائر الحج وتركيزه على مجموعة من الناس يرأسها هو، ومعه فريق صناع الحياة، فمثل هذا قد يكون نافعا في مقام التعليم، وبث المعاني الإسلامية والأعمال الإيجابية للناس، ويعد ساعتها من باب نشر الخير، الذي يستغفر كل شيء في الكون لصاحبه، حتى النملة في حجرها، وحتى الحوت في البحر.
و لكنه غير مقبول بهذا التسليط الإعلامي لكل حركة وسكنة، بل كان يمكن أن يكون نقلا لوقائع ومشاهد من الحج، يدخل ضمنها فريق صناع الحياة، لا أن يظهر في 'برنامج تفاعلي' على أنه بطل النقل الفضائي، وحتى يكون أبعد عن الاصطناع، مما يفقد الحج روحه وجوهره، و لكن النقل دون معرفة الحجيج يكون أوقع أثرا، وأقرب للإخلاص.
ولكن استثمار الحج في عرض مشاريع خيرية تنموية على رجال الأعمال، وما تقدم به الأستاذ عمرو خالد من عرض خمسة مشاريع، هو استثمار حقيقي لموسم الحج، وهي صورة من صور الاستنفاع التي قال الله عنها:'ليشهدوا منافع لهم'، بل أعتبرها صورة تجديدية لأن الانتفاع هنا ليس شخصيا، ولكنه انتفاع لدفع حركة الإصلاح والتنمية في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وإشراك رجال الأعمال في مشاريع يعود نفعها على المجتمعات، وهو من باب التعاون على البر والتقوى.
أما الزاوية الثانية، وهي الخروج من العرض التفاعلي بإنشاء قناة تفاعلية لصناع الحياة، فهو أمر مقبول شرعا وعقلا، بل تعد خطوة نحو توظيف الإعلام ليخدم أهدافا دعوية وإيجابية بمنظور أوسع لمفهوم الدعوة، والفكرة هنا تقوم على أساس الإعلان عن الأعمال الصالحة، وبثها للناس في بيوتهم وأماكن أعمالهم، فهو نشر للعمل الصالح، وإن كان الإسلام يدعو إلى أن يخفي الناس أعمالهم، من باب البعد عن الرياء، فإن هذا ليس على الدوام، بل نحن في حاجة إلى إعلان الأعمال الصالحة ونشرها، ليقتدي الناس بالصالحين، وأن يجاهد القائمون بها أنفسهم في التجرد والإخلاص لله، بل أحسب أن الأولى لأهل الخير أن يظهر الأعمال الجماعية، خاصة فيما يتعلق بالتنمية ونشر الخير في المجتمع، ولتكن الأعمال العبادية هي محل السر والخفاء بين الشخص وربه، أما الأعمال الجماعية، فأرى أن الأولى نشرها للناس، حتى في الأعمال العبادية.
بل إني أتوقع أن نشر مشاريع صناع الحياة ستحدث انقلابا اجتماعيا في العمل الخيري، وستوسع مساحة فعل الخير في أوساط الشباب، وخاصة أنها لا تنتمي لحركة أو تنظيم، مما يتيح فرصة للشباب المسلم المتعطش أن يفعل شيئا لدينه ووطنه بعيدا عن التضييقات التي تصدر من بعض الدول، لأجل ارتباط بعض الأعمال ببعض التيارات والجماعات، بل إن تشجيع مثل هذا المشاريع التنموية ستجني البلاد العربية والإسلامية ثمارها من الأمن والاتجاه نحو الإنتاج والاعتدال الفكري والبعد عن العنف والإرهاب، وتفريغ طاقة الشباب في مشاريع نافعة بدلا من الانشغال بأمور بعضها نافع وبعضا قد يضر، كما أن نجاح الأستاذ عمرو خالد في كسب الشرعية مشاريع'صناع الحياة' سيدفع بها للأمام، وستكون القناة التفاعلية أداة إعلامية ناجحة في التعريف بها وتوسيع نشاطها، وهذا ما يجب علينا أن نشجعه جميعا وأن نشارك فيه، لأن الفكرة يجب ألا تكون لشخص بعينه، وإن كان هو الداعي لها، وإن كان على رأسها، لكن ننظر إلى نتائجها بعين فاحصة، تنظر الواقع وتستشرف المستقبل.
اقرأ أيضا:
قتل الحجيج بسبب الزحام مخالف للهدي النبوي/ النكاح في الدبر .. الشجرة المحرمة / صالح ولا تصالح