كثيراً ما تساءل الدكتور الفاضل أحمد عبد الله: هل سيظل المصريون صامتين أمام تحركات القضاة والحركة المصرية من أجل التغيير "كفاية"، وأساتذة الجامعة؟ والأطباء؟ وإلى متى سيقابل بقية المصريين الموقف الشجاع لهؤلاء بالصمت، وهم يتلقون عنهم كل الضربات والعنف المنظم وغير المنظم وإلقاء تهم من قبيل العمالة والقلة الخائنة المندسة والاتهامات التي تعود لمنتصف السبعينيات في الواقع.
والحقيقة أن الإجابة صعبة إلى حد ما في ظل ظروف مجتمع متشابك، يركز فيه غالبيته الساحقة على توفير لقمة العيش!
ولست بصدد مناقشة موقفهم هذا بل أحاول أن أصل إلى السبب في هذا الموقف المتفرج والدنيا حوله " تضرب تقلب"!
وكنت قد قرأت في الأهرام لأحد الكتاب عن زيارة له لأوربا رصد فيها بعض الملاحظات التي تركت آثارها في عقله، وسرد ثلاث حكايات، القصة الأولى أنه اكتشف أن عاملة النظافة التي تنظف له حجرته في الفندق الذي يقيم فيه في ألمانيا كانت تدرس الدكتوراه، وتعمل من أجل تغطية نفقات رسالتها!
القصة الثانية من النمسا حين كان في زيارة لصديق دبلوماسي في فيلته، وقريبا من الفيلا وجد شابين في الخامسة أو السادسة عشرة من عمرهما يقومان بتنظيف السيارات لمن يريد مقابل مبلغ زهيد، فترك لهما سيارته لتنظيفها وأعطاهما المبلغ المحدد في المقابل، ودخل لصديقه، ولكنه بعد قليل فوجئ بالشابين يدخلان عليه المكان فتعجبا ونهرهما قائلاً:
ما الذي أتى بكما؟ ألم أعطكما المال المطلوب؟ وهنا تدخل الأب "الدبلوماسي" ليشرح الموقف للرجل في فخر أن الشابين هما ابناه ويعملان لتوفير بعض النفقات الخاصة بهما!
أما القصة الثالثة فبطلها هو ابن تونى بلير رئيس الحكومة الإنجليزية الذي اعتذر العام الماضي عن قضاء الإجازة السنوية مع أسرته لأنه وجد أخيراً عملاً مناسباً له، والغريب أن العمل المناسب كان "عامل في أحد الاستوديوهات الفنية"!
يقوم بحمل المعدات والأجهزة الفنية اللازمة للتصوير!
وما علاقة هذا بالمشكلة التي نتحدث عنها؟ وكيف نقارن أنفسنا بأوربا المتقدمة عنا بمراحل حضارية كبيرة؟
أولا نحن لا نقارن تقدماً تكنولوجياً أو موقف دوليا ولكننا نتحدث عن سلوك أفراد وموقفها من الحياة وطريقة تربية، طريقة تربية تعتمد على الاستقلالية والاعتماد على الذات والإحساس بالمسئولية، وهو التفسير المناسب لهذا السلوك الذي يتخذه غالبية أفراد المجتمع المتفرج، فالتربية في الغرب تقوم على الإحساس أن لك كياناً قائماً بذاته ولابد أن تقوم بمهامك عن نفسك فلا أحد يقوم بها عنك أبدا، وهذا ما نفتقده في مصر وربما في العالم العربي كله الإحساس بالمسئولية والعمل من أجل مهمتك ومستقبلك، فمنذ قيام الثورة والدولة هي التى تحدد كل وتتخذ قرارات كل شيء وهى التي تقوم بالمسئولية عن الأفراد، وهى التي توفر الدعم وتوفر رغيف الخبز، لدرجة قيل في فترة عبد الناصر أنها فترة توفرت فيها رغيف الخبز مقابل الحرية، وقيل عن فترة السادات أنها توفر فيها الحرية مقابل رغيف الخبز وفى المرحلة الحالية لا يتوافر لا هذا ولا ذاك، لا رغيف خبز ولا حرية!
وقيل عنها أنها الدولة الأم التي تقوم بدور الأم لأبنائها، وتقوم عنهم بمسئولياتهم، باعتبارهم غير راشدين أو غير ناضجين على حد قول د.أحمد نظيف رئيس وزرائنا الهمام. يعنى الدولة هي المسئولة عن الاتكالية التي تحول إليها الأفراد في مصر، وهذا ليس مطلقاً فهناك من تمكن من الفكاك من قيود هذه السلطة الأبوية التي تفرضها الدولة في التفكير والتصرف، والتي جعلت المواطن المصري دائماً في حاجة وفى انتظار من يفكر له، هناك من تمكن من الفكاك من القيود السلطوية هذه فظهرت الحركات المطالبة بالحرية الحقيقية، وظهرت مناشدات صريحة من كثير من الكتاب والصحفيين للنظام الحاكم بأسره أن يرحل تحت عناوين مثل: ارحلوا كي نتنفس التي كتبها د.علاء الأسواني في العربي.
فالمسئولية إذن مشتركة إن ترك المواطن نفسه في انتظار من ينوب عنه ولا يتحرك هو، فلا يتحرك من أجل التخلص من القيود، لأنه اعتاد على هذا، اعتاد أن ينتظر من يتصرف بالنيابة عنه ويحمل مسئوليته، في حين نجد أن المواطن في الدول الأوربية يدفع لخوض غمار الحياة من سن صغيرة، كي يتحمل المسئولية ويختبر الحياة ويكتسب الخبرة والمعرفة ويتعلم من الاحتكاك المباشر والمبكر بالآخرين، فطريقة التربية في نظري هي السر في ترك القلة أمام وجه المدفع يطالبون بحقوق الجميع، ويأخذ بقية المجموع دور المتفرج. والله أعلم.
واقرأ أيضًا:
يوميات ولاء: لو كنت كفيفة / ليسوا وحدهم أصحاب الديك البلاستيك ! / لسه جوانا شيء يعشق الحياة !