كانت أحد أحلامي من 15 سنة عندما كنت أتابع الأفلام والمسلسلات المصرية أن أزور هذا البلد يومًا وخصوصًا مسلسل "لا إله إلا الله" كانت قصة أحداثها تحكي عن أيام الفراعنة فكانت هذه بوابتي لمعرفة قصة الفراعنة وفضول ترعرع في داخلي لرؤية آثارهم المتبقية.
ولأنني تعلمت الصبر على أحلامي فلم أجد الفرصة للسفر إلا من 3 شهور فقط وأول شيء عملته هو تحديد موعد السفر والذي تحقق في 2/6/2005 أي منذ أيام قليلة ولكن هذا لم يكن هدفي الوحيد من السفر وإنما أيضًا لأنني أتاني ضيق كبير بعد دخول أمريكا وحلفائها لبلدي وبدأ يتسرب إليَّ شعور بفقدان الأمل بالرجوع إلى وطني والإحساس القاتل بأنني سوف أعيش طيلة عمري غريبة عن وطني وفي بلد غير مسلم فكان لدي احتياج روحي كبير جدًا لبلد مسلم..
ومن ضمن أهدافي أيضًا كان معرفة ما يراه ويسمعه السويدي عن الإسلام عندما يذهب إلى مصر. وكأنني أسمع من يتسائل ولماذا مصر بالتحديد؟؟ وأقول لأنه البلد المسلم الوحيد الذي ما إن تكلمت مع أحد هنا إلا وقال لك نعم زرته أو سوف أزوره أو أتمنى أن أزوره،، ولأنني أواجه أسئلتهم عن الإسلام بشكل يومي تقريبًا فكان من المفترض عليّ أن أعرف أولاً حجم معرفتهم بهذا الدين لذا كان السفر ضمن فوج سياحي لكي أرى ما يرونه وأسمع ما يسمعونه.
والهدف الآخر كان السفر إلى حيث توجد الشمس لأنني سئمت الغيوم سنة وراء سنة فهي موجودة حتى في الصيف والسنة الفائتة لم نرى فيها أيامًا مشمسة كثيرة والمطر نعمة من الله بكل تأكيد ونحمده ونشكره عليها ولكننا هنا نفتقد كثيرًا إلى نعمة الشمس فكان السفر إلى حيث توجد الشمس والحرارة لكي نخرج من برودة الجو والمشاعر الذي نعيشه هنا..
والحمد لله الذي وهب لي أخًا مطيعًا لكي يرافقني في رحلتي ولكنه اكتشف قبل أسبوع من موعد السفر انتهاء مدة جواز سفره فكان عليه تجديدها وهذا يأخذ أسبوعين والحمد لله بوجود نضام عمل جواز سفر مؤقت وهذا فعله بيوم واحد قبل السفر ولم أصدق أني سأذهب إلى مصر لكي لا أصاب بخيبة أمل إلا وقت نزولي في مطار الغردقة ودمعت عيني وأسعدني جدًا الترحاب الذي لقيته من العاملين هناك فقد أدهشوني بتسهيل الأشياء لنا أكثر بكثير مما كانوا يفعلونه لأوربيين لأننا مسلمون فشكرًا لهم..
وبدأ مشوارنا في البحث عن مكان نستطيع أن نأكل فيه. والغردقة فيها مطاعم كثيرة ونظيفة ولكن المشكلة أنها تقدم الخمر! وأنا أعيش في السويد أتجنب دخول المطاعم التي تقدم الخمور فكيف لي أن أدخلها وأنا في بلد مسلم؟! وتألمت أكثر عندما رأيت البارات المنتشرة والمدينة قد تحولت إلى مكان يرتاح فيه غير المسلم ويجد ما يريده ولكنه لن يستفيد شيئًا فلن يستطيع التعرف لا على الإسلام ولا حتى على مصر وإن كانت على أرضها.
في اليوم الثالث كانت الرحلة إلى الأقصر.. وكانت على شكل قافلة من أمامها وخلفها رجال شرطة للحماية وجميع الشوارع التي مررنا من خلالها أوقف السير فيها والشرطة على جانبي الطريق، أحسست وكأنني معزولة عن الناس وأهم شيء في البلد هو أهلها وليس أحجارها وجدرانها فلماذا إذن هذا الانعزال وكأننا مذنبون نحن الاثنين.
في الطريق أخذنا استراحة لمدة 20 دقيقة وأتى الضابط إليّ كي يسألني إن كنت مصرية؟ قلت له لا، عراقية فقال كيف حال صديقتكم أمريكا قلت له "ربنا ياخذها هي وإسرائيل" فقال لي شكرًا وذهب واندهشت من موقفه هل خاف أن أتكلم أكثر أم أنه لم يعجبه الكلام؟!
وصلنا الأقصر بسلام وذهبنا مباشرة إلى وادي الملوك ودخلنا 3 من المقابر ويظهر فيها جليًا نظرة الفراعنة إلى الحياة وكيف كان الموت عندهم جزءًا منها حتى أنهم كانوا يحضرون القبور بمجرد تولي الفرعون للعرش وكيف أنهم اجتهدوا في التحضير حسب عقيدتهم لما بعد الموت وبرعوا حتى بنوا الهرم الذي عجزت عقولنا حتى الآن في معرفة طريقة بناءها بالتأكيد....
وماذا عنّا نحن؟؟ هل نحضر شيئًا لحياتنا لما بعد الموت أم ألهتنا الدنيا حتى نسينا وتكاسلنا أو تناسينا
طبعًا لا يمكن أن ينظر الإنسان إلى الرسومات على الجدران ولا ينبهر بها ولا تزال الألوان باقية فيها وعمرها آلاف السنين فانظروا كيف كان إتقانهم في العمل!
ومعبد حتشبسوت المرأة الوحيدة التي حكمت في تلك الفترة من التاريخ، وتظهر مكانة المرأة بوضوح دائمًا فهي تجلس إلى جوار الفرعون فماذا حدث له؟! ورغم تكريم ديننا الحنيف لها إلا أن وضعها الآن لا يسر لا عدو ولا حبيب.
أما في الأسواق فقد رأيت التعاطف الكبير مع القضية العراقية وأتاني شعور بأننا حقًا أمة واحدة اللهم وحد جهود أمتنا مثلما وحدت قلوبنا يارب..
رجعنا إلى الغردقة في اليوم التالي وبعدها كانت رحلة السفاري (بالموتيسيكلات أبو4 عجلات) ذهبنا بهم إلى عائلة بدوية كانت تعيش على أطراف المدينة وهناك قام أسامة (المرشد السياحي) بشرح مستفيض عن طريقة عيش البدو وكان هناك غرفة على شكل مسجد فاستغل الفرصة وبدء يتكلم عن الإسلام بشكل جيد جدًا جزاه الله خيرًا.
أما في طريقنا إلى القاهرة فقد قامت المرشدة السياحية السويدية بالتحدث عن مصر والإسلام وأعطت معلومات كثيرة عن الإسلام معظمها صحيحة إلا أنها لا تخلوا من الأخطاء..
وكانت أول زيارة لجامع محمد علي، ومنظر القاهرة من القلعة جميل جدًا ولكن لم يسعفنا الوقت لنستمتع به كثيرًا حتى أتى وقت الرحيل إلى المحطة التالية.. وزيارة مصر لا يمكن أن تكتمل دون المرور على الأهرامات ودخلنا الهرم الكبير.. وصديقي أبو الهول لم أكن أتصوره بهذا الحجم الكبير!
وفي جميع المحطات هناك شراء لبطاقات الدخول إلى المكان والأسعار كانت مختلفة بالنسبة للمصري والسائح... ومن كرم ضيافتهم لنا كانوا يعطوننا إياه بأسعار المصريين وليس أسعار السواح
أما المتحف المصري فهو مكان لابد من زيارته والدخول إلى غرفة المومياء لأخذ العبرة من عظماء أزمانهم وما حالوا إليه وكيف لنا أن نستكبر عن العبادة لله عزوجل ونحن نعلم بأن مصيرنا إلى الموت.. وأدهشني لون شعر رمسيس الثاني فقد كان أصفر بخلاف المومياءات الأخرى الذين كان لون شعرهم أسود..
بيوت الله أجمل مكان في المدينة ولكن للأسف لم أجد فيها أماكن مخصصة للوضوء للنساء في الجوامع التي دخلتها في الغردقة والأقصر والقاهرة لا أدري لماذا مع أن حبيبنا عليه أفضل الصلاة والسلام قال (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) أي أنه أعطى المرأة حقها في المسجد فلماذا لا يؤخذ مكانها بعين الاعتبار عند بناء المساجد؟؟
.. أما صلاة الجمعة في الازهر فقد أعطتني شحنة طاقة كنت بحاجة إليها حقًا..
والتسوق من خان الخليلي هو شيء لا مفر منه والمنظر من برج القاهرة لا يعوض بشيء وفي يوم الرجوع إلى الغردقة كان لابد من زيارة للقرية الفرعونية..
وصديقات المنتدى كان اللقاء بهن من أجمل اللحظات وقمنا بهجوم على مكتب إسلام أون لاين وأزعجنا المحاضرة التي كانت هناك والتقينا بالدكاترة والمستشارين ولم يحالفنا الحظ بلقاء الدكتور أحمد لأنه كان مسافرًا الله يحفظه ذخرًا للأمة، والدكتور وائل بارك الله فيه والأستاذة إيناس مشعل لم يقصروا في الترحيب رغم المحاضرة واللقاء بهم يساوي الرحلة كلها فشكرًا لهم جميعًا..
ولن يكفي أبدًا أسبوعين للتعرف على مصر، لذا أتمنى ألا أنتظر 15 سنة أخرى لكي أقوم برحلة مثلها ولو كان الأمر بيدي لكنت سافرت إلى مصر كل عام... اللهم احفظ مصر وأهلها
صدق من قال مصر أم الدنيا
اقرأ أيضاً على مجانين:
الإسلام في المدارس السويدية / لفتات جنان: غياب الوازع الديني