كان المسيح عليه السلام يقول: كل بئر فهو ينضح بما فيه.
ويبدو أن بئرنا نحن شعوب العرب ينضح بالصمت، وكلما نضح بئرنا بالصمت نضح بئر إعلامنا بالبذاءة والقذارة! وإلا فبماذا نسمي ما تبثه القناة الثانية المصرية في برنامج ((على البحر))؟!
البرنامج يفضح بصورة علنية العري الذي تعيشه شعوبنا العربية، ولسنا نعني العري الجسدي فقط، وإنما نعني أيضا العري الثقافي والأخلاقي.
كانت الحلقة التي رأيتها هي الحلقة الأولى من البرنامج، والأخيرة بالنسبة لي! واستضافت الحلقة نجمين لامعين من نجوم أمتنا المظلمة سماؤها!
كان أحد النجمين ممثل كوميدي مشهور، والأخرى مطربة من ذوات الأجساد اللدنة، واللاتي وصفهن الناقد الفني والملحن حلمي بكر بسؤاله الاستنكاري، حين سئل:ما رأيك في أصواتهن؟ فقال: (( وهل لهن صوت؟!))!
أما من ناحية العري الجسدي فيكيفك أن ترى أول خمس دقائق من الحلقة وكذلك الفواصل الحية بين فقرات البرنامج، فستكون على قناعة تامة بأنك رأيت جميع ألوان وأنواع اللحوم البشرية؛ الرجالية والنسائية، فالشباب -في معظمهم- لا يرتدون شيئا على الجزء العلوي من أجسادهم، أما الفتيات فإنك ستظن أنهن قبل أن يسجلن في البرنامج قد خرجن لتوهن من معركة حامية تمزقت فيها ملابسهن، فلم يبق منها سوى بضع قطع متناثرة هنا وهناك، مبدية أكثر مما تخفي!
ناهيك عن الأصوات التي تصدر عنهم، والتي تطفح بالحماسة الماجنة لما هم فيه من رسالة واجبة الأداء!
أما العري الثقافي والأخلاقي فحدث وليصيبك الحرج كما تشاء فلن يغير ذلك من الأمر شيئا.
فالنجم اللامع يسأله النجمان الآخران اللذان يقدمان الحلقة، ولا تبتأسوا من كثرة النجوم؛ فنحن كما تعلمون أمة النجوم، وإياكم أن تقولوا: إن النجوم تشابهوا علينا.. يقول له المذيعان: هل أحببت قبل الفنانة فلانة ( التي هي زوجته)؟
أجاب النجم بلهجة لا مبالية: كثيرًا جدًا، لا أحصيهم عدًّا، ثم تابع بصورة مستفزة: كانت الواحدة من هؤلاء كالقميص الذي يلبس مرة واحدة، ثم لا يلبس بعد ذلك، وما يلبس في الصيف لا يلبس في الشتاء!
ثم سئل: هل عاكست قبل ذلك على البحر؟!
فأجاب: بصراحة.. كانت عندي دائما الرغبة في المعاكسة، لكني كنت أخاف من الضرب!
تعالت الضحكات، علام؟ لا أدري، وتذكرت ساعتها قول الشاعر: ألؤمًا لا أبا لك واغترابًا؟! وقول العرب: أحشفًا وسوء كيلة؟!
أقلة أدب -يا نجمنا المشهور- وجُبْنًا؟!
أما النجمة الأخرى فلم تكن أحسن حالا من أخيها، فقد سئلت: ما هي ذكرياتك مع البحر؟!
فأجابت كأنها تغوص في أعماق الذاكرة وكأن الذي ستذكره هو شيء ذو بال: من أجمل ذكرياتي مع السيد بحر! أنني لم أكن أحسن السباحة، وكنت كلما نزلت البحر أسبح نحو الداخل حتى أكاد أغرق (يا سلام!)، وكان هناك رجل يجلس كل يوم في نفس الموعد، وعندما أنزل البحر يقول: فلانة (لاسم النجمة المشهورة) قد نزلت، ثم يستعد لإنقاذي، ويأتي إلي في آخر لحظة لينقذني!!
كل يوم؟! ونفس الرجل المأفون في عقله؟! الذي لو قدر له أن يتأخر يومًا عن موعده لارتحنا من هذا البلاء وهذه الرواية البلهاء!
يا سادتنا وكبراءنا ونجومنا، رفقا بعقولنا وعقول شبابنا وفتياتنا.. كفوا عنا أذاكم يرحمكم الله!
*واقرأ أيضا:
نحن وهُم.. والبون الشاسع / مسرحية الإسكندرية.. فوضوية الاستهزاء