يسألني سائل ويقول: ومن أحمد مطر هذا؟
وأنا أقول لمن يعرفه قبل من لا يعرفه:
أحمد مطر -يا سيدي- هو مواطن عراقي، عربي مسلم، لاقى الأمرَّين في بلده فهجرها إلى بلد أخرى من بلاد وطننا العربي الأكبر، لم تكن أفضل حالا من سابقتها، فقرر أن يهجر ذلك الوطن جميعه، وسافر إلى جنان الغرب الوارفة، فاستقر به المقام في لندن.
أحمد مطر هو شاعر نسيج وحده، يقف في صف وقد برعم الورد على سلاسله، بينما على يمينه ويساره تقف ملايين الأصفار تتفرج!
أحمد مطر هو حامل لواء الشعراء إلى النار، ليس نار جهنم، وإنما نار حكامنا الموقدة!
أحمد مطر هو مداوي جراحنا وناكئها!
سبعون طعنة هنا
موصولة النزف
تبدي ولا تخفي
تغتال خوف الموت في الخوف
أحمد مطر هو من جعل عروبتنا عيبا، وإسلامنا زيفا، وممرمغ
رؤوسنا -التي هي أهل- في الوحل:
في مقلب الزبالة
رأيت جثة لها ملامح الأعراب
تجمعت من حولها النسور والدِّباب
وفوقها علامة
تقول: هذي جيفة
كانت تسمى سابقا: كرامة
أحمد مطر -يا سيدي- هو الناقم لنا..
الناقم لنا بعدد رؤوس حكامنا وملوكنا وأيديهم وأرجلهم وأعينهم وأنوفهم وآذانهم وأفواههم، وهو الناقم لنا بعدد سنوات أعمارهم المديدة وسنوات أعمار من ينافقونهم، وهو الناقم لنا بعدد أعراضنا المستباحة وكراماتنا المهدرة، وهو الناقم لنا بعدد نعمنا التي يتمرغ فيها غيرنا، بينما ننكوي نحن بنارها.
خُـذوا آبارَكُمْ عَنّي
خُـذوا النّار الّتي مُتُّمْ بِها
مِن شِدَّةِ البَـرْد
أحمد مطر هو الناقم لنا بعدد سني غربته، وعدد ما اخترم جسده من الأمراض والآلام، وهو الناقم لنا بعدد المرات التي وضع فيها على قوائم المطلوب إبادتهم، وهو الناقم لنا بعدد القتلى والثكلى والمشردين من أسرته.
وأحمد مطر -يا سيدي- هو الناقم علينا..
هو الناقم علينا بعدد المرات التي رأينا فيها حقوقنا مستباحة مهدرة وقضاينا تباع بلا ثمن ثم وضعنا أصابعنا في آذاننا واستغشينا ثيابنا، هو الناقم علينا بعدد المرات التي أغرقنا فيها شفاهنا بالصمغ العربي ذي النوع الأصيل حتى لا تنفلت الكلمات أو الآهات من بين شفاهنا، هو الناقم علينا بعدد المرات التي مصمصنا فيها تلك الشفاه التي لا تمل من الحديث فيما لا يفيد، ثم لم نحرك ساكنا ولم يكن لنا يد في تحريك ما تحرك!
ألأجل هذه الأمة السكرى
تذوب حشاشة الواعي أسى
ويذوب قلب الحر قهرا
يا رب ذكرى
لا تدع نفسا بها
هي أمة بالموت أحرى
خذها
ولا تدع لها في الأرض ذكرا
أحمد مطر هو الناقم علينا بعدد المرات التي أسأنا فيها فهمه، وأكلنا فيها لحمه!
سَفَحتُ العُمْـرَ
أُوقـِظُ نائِمَ الإنسان في دَمِها
وَحينَ تَحرَّكَتْ أطرافُ نائِمِها
مَشَتْ فَوقي
تُجدِّدُ بَيعةَ القـردِ!
هذا يا سيدي هو أحمد مطر، فمن نحن يا ترى؟!
واقرأ أيضاً:
مسرحية الإسكندرية.. فوضوية الاستهزاء / بيدي لا بيد عمرو..