"الرجل الذي يعيش لنفسه فقط، لا ينتفع به وطن ولا تعتز به عقيدة ولا ينتصر به دين لا قيمة له".
ليست هذه كلماتي وإنما كلمات خالدة قالها شيخنا الجليل محمد الغزالي عليه رحمة الله في كتابه تأملات في الدين والحياة. والعبارة واضحة تحث على العمل من أجل الوطن والدين والعقيدة. وهو نفس المدخل الذي أثارته في عقلي مقال لكاتبة معروفة على الإنترنت بعنوان "باكره مصر"، فهو يتحدث عن رسالة جاءتها من أحد الشباب الذي يسب ويلعن في مصر وأهلها والفساد الذي أصبح يسود البر والبحر والجو، وكل ما أصابنا من أمراض وعلل أخلاقية وسلوكية. ردت عليه هي بأنه مثل الابن العاق الذي بعد أن ربته أمه الفقيرة وسهرت عليه تركها وتبرأ منها باحثاً عن أسرة غنية يعيش في كنفها.
والحقيقة أني أحب مصر (بلدي) وأنا أعرف أنها ليست أفضل بلاد الدنيا، ولكنها بلدي، وياء الملكية المضافة في كلمة بلد، تجعلها شيئاً يخصني، شيئاً أمتلكه، فكيف لا أحبه؟!
ومصر بلد فقير وأهلها فقراء أو غلابة وهؤلاء الغلابة أكثر من يهمني وأكثر ما أحبه في بلدي، وأكثر من أشعر نحوهم بالمسئولية، أشعر أنه من واجبي خدمتهم ومساعدتهم على خلق حياة أفضل. فأتصور الأمر وكأن أسرة كبيرة فقيرة لا تقوَ على تعليم كل أبنائها، فقررت تعليم شخص واحد منها، فكيف يكون حال هذا الشخص الذي أنفقت عليه أسرته وحده بعدما حصل العلم؟ هل يكرس حياته لأجل تعليم أسرته الفقيرة الجاهلة التي تعبت من أجله أم يتبرأ منها لأنها جاهلة وفقيرة؟
كثيرون يختارون الاختيار الثاني بالسفر لمجتمع أغنى يحقق لأفراده والمغتربين على أرضه فرص حياة أفضل وربما فرص رفاهية أيضاً. ولكنه لم يرد الجميل لأهله الفقراء للأسف.
أتصور نفسي هذا الفرد الذي تعلم، والذي يحمل مسئولية نحو أبناء بلده الآخرين، فلست أفضل من امرأة أمية تزرع في الحقل، ولا أفضل من طفل شارع وجد نفسه ضائعاً في الشوارع، أنا فقط ظروفي –ولله الحمد– أفضل، ولهذا فعلي دور وواجب يتحتم على القيام به نحو هذا المجتمع، وهو نفس الدور الذي يجب أن يقوم به كل إنسان يعيش على هذه الأرض.
وقد اكتشفت أن النظر المستمر لعيوبنا وسلبياتنا لا يفيد أبداً من يريد البناء، فلنعترف بكل عيوبنا ومشكلاتنا لكن لا نتوقف عند هذا وكفى، بل نجعل هذا دافعاً للبناء على هذه الأرض، لهذا أتمنى دائماً ألا تقل لحظات بنائي في مصر لحظة واحدة بالسفر خارجها مثلاً.
وأصحاب النظارات السوداء ممن يتبنون اتجاه صاحب الرسالة التي أشارت إليها الكاتبة لكره البلد يمثلون بمشكلات تمس حياة الناس مثل البطالة، فكثيراً ما تسمع عبارات مثل: كيف لشاب أمضى سنوات عمره في التعليم وكله طموح وأمل وطاقة ويجلس في بيته سنوات بسبب البطالة، كيف تطلب من هذا الشاب أن يحب مصر؟
والحقيقة أنني لا أجد أي مبرر ولا سبب مهما كان وجاهته من وجهة نظر صاحبه كافياً كي يكره الإنسان بلده ومجتمعه، فالإنسان –أي إنسان- لا تستقيم حياته بدون مشكلات ومعوقات وتحديات، والإنسان يتعلم وينضج من خلال المشكلات والتجارب الحياتية وحدها.
لهذا أرى أن من يحمل مشاكله على ظهره ويبحث عن مجتمع آخر يعيش فيه كمن يهرب من أهله ومن مسئوليته نحوهم، تاركاً مجتمعه يعاني من مشكلات عديدة فقط باحثاً عن راحته هو، باحثاً عن حياته هو الأفضل، دون أن يكون إضافة حقيقية لمجتمعه ولا لدينه.
وأبدو ضد السفر، وهذا حقيقي ولكن ليس على طول الخط، فهناك استثناءات لا مجال لذكرها الآن، إلا إنني أجدني أضع الأولوية لخدمة البلد وأهلها الطيبين "الغلابة" الذين حقاً ينتظرون المساعدة من ابنهم الذي تعلم بدلاً من أن يعطيهم ظهره ويرحل. فالمجتمع لن ينهض إلا بجهود كل فرد فيه، كل من خلال عمله، ومن خلال موقعه مهما كان بسيطاً، هذا لو أردنا مصراً أفضل.
ويتبع >>>>: يوميات ولاء: أحب مصر- مشاركة
واقرأ أيضًا:
يوميات ولاء: يا رب / يوميات ولاء: موضة أم / سينما أونطة... هاتوا فلوسنا!