(أنا مغتاظة)
هكذا صحت في أستاذي وأبي الروحي فاروق هاشم الصحفي بالأهرام، وكنت أتناقش معه حول أمر أصبح يستفزني في التعليم الخاص وبدأ يزحف على نظيره الحكومي مؤخراً، وهو التعليم بلغة أخرى غير اللغة العربية، سواء الإنجليزية أو الفرنسية أو الألمانية!
وقلت له بانفعال: كيف وأنا في مصر وأُدَرِس في الجامعة لمصريين –باعتبار ما كان وما سيكون- ويُطلب مني أن أُدَّرس بالإنجليزية مثلاً؟ بأي منطق؟
وقبل أن أنتظر إجابته أكملت: هل تتخيل أن هناك هيئاتٍ ومؤسساتٍ كثيرة جداً في مصر الآن أصبحت تشترط فيمن يتقدم لشغل وظيفة بها حتى لو كانت سكرتارية أن يحصل على شهادة TOEFL (اختصار لجملة Test Of English As a Foreign Language أو امتحان الإنجليزية كلغة أجنبية) أولاً؟ وهو امتحان أمريكي بلهجة أمريكية صرفة بل يحمل في أجزاء كثيرة منه الثقافة الأمريكية ؟ وملامح الحياة الأمريكية، لماذا وأنا في مصر وسأعمل بمصر، يُفرض علي نظام امتحان أمريكي لقياس اللغة الإنجليزية؟ هذه ليست عولمة كما يدعون، هذه أمركة!
كنت منفعلة جداً، وبدأت ذاكرتي تتداعي لسنوات الاحتلال البريطاني لمصر، وما تذكره لنا كتب التاريخ بأن المحتل كان من أدوات سيطرته علينا هو أن يكون التعليم باللغة الإنجليزية - لغته - لطمس الهوية العربية، ولفرض ثقافته علينا!! والآن نحن فتحنا الباب على البحري لكل اللغات، وليس الإنجليزية فقط، لنعلم بها الأطفال والشباب في المدارس والجامعات، ولنساهم بأيدينا في محو هويتنا وطمس ثقافتنا، واقتلاعنا من جذورنا، وكأننا ننساق كالقطيع الأعمى وراء خطة لتجهيل اللغة العربية.
ولست ضد الانفتاح على الآخر ولا من دعاة الانغلاق، بل أشجع على تعلم اللغات الأخرى غير القومية، للثقافة وللحصول على فرص عمل أفضل،ولحسن التواصل مع الغرب، ويكفي مقولة الإمام الشافعي الرائعة: أنت بعدد ما تعرف من لغات.
كي نحرص جميعاً على تعلم لغات غير العربية، ولكنني حزينة على حال اللغة العربية التي حتى لم نعد نُعَلِم أبناءنا بها. علاوة على أنني أجدها فكرة غير منطقية أن نعلم مصريين سيعملون في مصر في الغالب بلغة أخرى غير العربية ، إلا لو أصبحت موضة أو باباً "للفشخرة" !
ولكنني واثقة أن التاريخ، وربما بعد خمسين عاماً من الآن، سيصف مرحلتنا الحالية بنفس وصف مرحلة الاحتلال البريطاني بأنها كانت مرحلة لفقدان للهوية وللغة العربية، فالتاريخ لا يرحم ولا يجامل، وسيذكرنا بسوء، وبأنها كانت مرحلة التعليم الإنجليزي والأمريكي والفرنسي والألماني، وليس فقط الإنجليزي كما كنا أيام الاحتلال.
فقد أصبح لدينا احتلال (متعدد الجنسيات)! بل ربما تزيد عدد الجامعات الأجنبية ويصبح لدينا الجامعة الصينية، والجامعة الهندية خاصة بعد تصاعد قوة الصين والهند مؤخراً في مجالات عديدة في العالم!
لكن السؤال: هل يأتي يوم نرى فيه: الجامعة المصرية في أمريكا مثلاً؟ أو في إنجلترا أو فرنسا أو ألمانيا؟
سأكون متفائلة وأتمنى أن يشهد أبنائي هذا!
قولوا آمين.
24/5/2007
واقرأ أيضًا:
رسالتي إلى أبي / يوميات ولاء: يا رب / يوميات ولاء: باكره مصر؟