"لا تكتبوا عني شيئاً سوى القرآن فمن كتب عني غير القرآن فليمحه" حديث نبوي
أسمع من يقول نرحب بالمبادرات الشعبية لكن يجب ألا تكون مبادرات عشوائية وأن يكون هناك إطار جامع مانع لتوحيد الجهود.
الحديث عن تنظيم الجهود في ظاهره الرحمة لكن في باطنه العذاب لأن الطبيعة البشرية تستعصي على التحديد والتقييد في قالب واحد صارم، ولا يوجد إطار مهما كان مرناً ومهما كان القائمون عليه مبدعين قادر على استيعاب كافة العقول والاجتهادات والاتجاهات والميول.
البشر متعددون بطبيعتهم ولا بد للفردية التي يتميز بها الإنسان عن غيره من المخلوقات أن تعبر عن نفسها.
العشوائية ليست شراً دائماً بل إنها كثيراً ما تكون مفيدةً، فتعدد المبادرات في المجتمع يوجد حالةً من الزخم الإيجابي.
التنسيق بين المبادرات المتعددة والالتقاء في مساحة موحدة لتحقيق الأهداف المشتركة هو عمل إيجابي، لكن هذا التنسيق لا يعني إلغاء هوية أي فرد أو جماعة وتذويبها في الآخرين.
ليس من حق أحد أن يسعى لإلغاء التعدد الطبيعي بحجة أنه يريد توحيد الجهود في إطار جامع فالتعدد هو سنة الحياة وفيه إثراء للحضارة البشرية.
مفردات مثل التقييد والتحديد والضبط والانضباط والتنظيم كثيراً ما تستعملها الأنظمة الطاغوتية وتكون مدخلاً لقمع الرأي الحر وتكميم الأفواه.
يجد الطغاة مدخلاً لإدانة المبادرين من هذا الباب، باب ادعاء الحرص على التنظيم والتوحيد إذ يقولون للمبادرين نحن لسنا ضد الإصلاح ولكن هناك كيانات قائمة يمكنكم الانضمام إليها ولا مبرر لمبادرتكم.
ليس من حق أحد أن يفرض قالباً صارماً يلغي التنوع الطبيعي ويجبر الناس على الالتزام به.
إذا كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم رفض أن يوصي بخليفة له ساعة موته حتى لا يقيد حركة المجتمع الطبيعية بعده، بل ترك الأمر للتشاور والاختيار بين الناس ليظل الحراك الاجتماعي قائماً، بل ذهب النبي صلى الله عليه وسلم أبعد من ذلك وهو المعنى الذي لم ينتبه إليه أكثر المسلمين إذ نهى النبي محمد عن تدوين أحاديثه مع أنه وحي يوحى إليه وهو لا ينطق عن الهوى فقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه "لا تكتبوا عني شيئاً سوى القرآن فمن كتب عني غير القرآن فليمحه".
لقد كره نبي الرحمة أن يفرض على الأجيال التي ستأتي من بعده قيوداً تكبل انطلاقتها فأحب ألا يبقى من الدين سوى نواته الصلبة ومبادئه العامة الأكثر مرونةً التي لا تخضع لتغير الزمان والمكان، ولم يرد أن يشق على أمته فيفرض عليها صيغاً محددةً رآها هو صالحةً لزمانه وبيئته، وربما لا تظل صالحةً حين تتغير الظروف والبيئة.
المجتمع الراشد هو المجتمع الذي يشهد حالةً من الصخب والتعدد الفكري والسياسي تنتج تقدماً وازدهاراً، أما المجتمعات الأحادية الشمولية فهي مجتمعات ميتة لا حراك فيها.... والله أعلم.
واقرأ أيضاً:
كيف نفهم آيات القتال في عصر الحلول السياسية؟؟ / معنى الاستغفار / المحتوى الموضوعي للقرآن
التعليق: كان ما كتبته في العنوان، أول جملة نطقت بها بعد قراءة هذه المدونة، لعبارات فيها أدهشتني!! واضح أن الكاتب يحاول -في كل ما كتب- شرح فكرة تضمنها قوله: (التنسيق بين المبادرات المتعددة والالتقاء في مساحة موحدة لتحقيق الأهداف المشتركة هو عمل إيجابي، لكن هذا التنسيق لا يعني إلغاء هوية أي فرد أو جماعة وتذويبها في الآخرين). هذا الكلام سليم 100%، لكن الانفعال الذي نعاني منه جميعًا (وأولهم أنا) في عالمنا المضحك المبكي، يدفع الإنسان لإلقاء الكلام دون تفكير ولا تمحيص، حتى إن كان يعلم ذلك من نفسه أحيانًا!!!
بشكل عام، كاتبنا –أثناء شرحه- يخلط بين تنظيم الجهود المتنوعة، وبين خنقها وجعلها نسخة مكررة بحجة التنظيم! مع أن عبارته الآنفة الذكر صريحة فيما يريد، وصريحة في فهمه لما يريد...! لكأنه كره الكلمة لاستغلال الطواغيت لها، فأصبح يرفضها من أصلها! أو لكأن معناها اختزل عنده في فعل هؤلاء، فأصبح يرفضها على أنها تعبير على خنق الإبداع، وإلغاء الجميع لأجل فرد واحد...
هذه هي الملاحظة العامة على تلك السطور، ولن أفند كل سطر وكل عبارة، بل أترك للقارئ مهمة النظر في العبارات ليرى فيها دلائل ما قلته.