رغم كل الأحداث التي نمر بها إلا أننا جميعاً نظل نرفض ونتجنب أن نتعلم الدرس أساسي الذي نحتاجه. تظل قلوبنا قاسية وكأنما نزع الله الرحمة من بيننا. تأمل حولك أينما كنت جالساً أو واقفاً... تجد أناساً بأسهم بينهم شديد، الكل يفكر في نفسه فقط، الكل يسُنّ أسنانه ويشير بمخالبه استعداداً لالتهام الآخرين، هل هذا ما جنيناه من الثورة؟
الحقيقة أن الإجابة هي بنعم ولا في نفس الوقت، فهذه الطباع القاسية وهذا التحفز ضد الآخرين, وهذه الأنانية التي لا تعرف رحمة ولا شفقة موجودة كلها بيننا منذ قبل الثورة. ولكن الثورة فقط سمحت لها بالانطلاق بشدة, سواء لأن الحريات أطلقت, أو لأن الأزمة الاقتصادية التي أعقبتها صارت تضغط على الناس فما عادوا يخجلون أو يتوارون بقساوة قلوبهم، كل يقول نفسي نفسي، الكل يهاجم الكل، والجميع يترصد بعضهم بعضاً, ينتظر خطأً أو هفوةً حتى ينقض ممزقاً بأنيابه بلا رحمة.
القوى السياسية تتصارع، الموظفون يتحينون الفرص للنيل من مرؤوسيهم وأصحاب أعمالهم, الذين بدورهم يتفننون في التشديد والضغط لأجل الحفاظ على مكاسبهم ولو بسحق هؤلاء الموظفين، الإخوة والأشقاء والآباء والأبناء يتشاجرون طوال الوقت إما بسبب السياسة وإما بسبب المال، التاجر يفعل المستحيل لينتزع القرش من جيب زبونه ولو بالنصب والاحتيال, والزبون دوماً متحفز للمفاصلة لا يبالي حتى وإن نجح في أن ينال أرخص سعر على حساب تاجر في ورطة يحتاج بضعة جنيهات لسد دينه، الديون، حدث ولا حرج، الكل يضغط وبعنف شديد لكل يحصِّل ديونه في وقت يصعب فيه تحصيل أقل القليل من المال بسبب الأزمة، حتى الدعاة إلى الله صارت قلوبهم قاسية, ومن لم يتبعهم صار الفجور والفسق الوصمة التي لا يترددون لحظة في ختمه بها!! أما دعاة الحرية, فكل من خالفه في رأيٍ صار خائناً وعميلاً ومتخاذلاً....إلخ.
ما بالكم يا قوم، أنعم الله عليكم بالخلاص من العبودية والاستبداد على يد الحاكم فاستعبد بعضكم بعضاً، مالكم ألا تراحموا {تبسمك في وجه أخيك صدقة}، {أحب لأخيك ما تحب لنفسك}، {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك}، {الراحمون يرحمهم الرحمن}، {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}، كل هذه نقرؤها كل يوم وكأننا ببغاوات تردد ولا تعقل ما تقول... أين من يدعون إلى الإسلام منها، أين من يدعون إلى الحرية منها... أين أنا وأنت كأفراد منها...
نتصارع ونتسابق على المادة والجاه والمال, وحين نحصلها نُحرم من الاستمتاع بها لأن شقياً مثلنا لا يرحم يسعى كي ينتزعها من بين أيدينا، ونحن أيضاً مثله، لا نرحم ونريد ما بأيدي غيرنا، أعمانا حب الدنيا فما عدنا نتردد في أن نسحق الضعيف بيننا للنال غاياتنا، أين الرحمة في قلوب النخبة السياسية وهم يرسلون أتباعهم ليضرب بعضهم بعضاً في الميادين من أجل مصالحهم الخاصة، أين الرحمة في قلوب الأغنياء من فقير لا يجد قوت يومه، يبيت في العراء, ومن مريض يموت لأنه لا يملك ثمن الدواء، أين الرحمة في قلب كل منا من جار ذي حاجة مادية كانت أو معنوية، أين الرحمة في قلب زوجين يختلفان على المال والنفقة وليذهب الأمن والسكينة في قلوب أبنائهم إلى الجحيم.... أين وأين وأين؟؟؟؟؟
فليبدأ كل منا بنفسه, وليرحم من حوله، لا تقل "أصل الظروف" وتوقف عن إيجاد المبررات لقساوة قلبك وذلك التلذذ المرضي بعيش دور الضحية، ففي الشدائد تعرف معادن الرجال, وما الظروف إلا ابتلاء من الله ليميز الخبيث من الطيب، {أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون}، تراحموا يرحمكم الله، ولا يكونن بأسكم بينكم شديدا فالله تعالى يقول {وما بعثناك إلا رحمة للعالمين}، تراحموا، تراحموا، تراحموا وارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.
واقرأ أيضاً:
نقطة التوازن / السر باختصار / الحياد بين السلبية والإيجابية