تاريخ البشرية يزدحم بالقبائح العقائدية أيا كانت، حزبية أو دينية وما يتشعب عنها من كينونات ذات طاقات انفعالية تدميرية هائلة ومتنوعة الأساليب. ولا يخلو أي سلوك عقائدي من الفعل البشع المروع المشين، فالعقيدة مهما كان نوعها توقد في أعماق البشر إرادة قتل الآخر وتدمير وجوده وترويعه. ذلك أنها تمتلك طاقات الانحراف والتأويل وفقا لنوازع النفس الأمارة بالسوء، لأنها تعطي مبررات البراءة من السلوك السيئ.
فالخطايا والآثام التي تُرتكب يمكن تسويغها وفقا لآليات المعتقد والتصور الناجم عنه، وفي بعضها يتحقق تفاعل وهمي جماعي يساهم في زيادة قدرات ارتكاب الحماقات، والانقضاض على الأبرياء وفقا لمسوغات الوهم والتصور المنحرف. وعلى مدى العصور تم قتل البشر دون مبررات كافية أو أدلة إجرامية أو قانون يحكم بذلك، وإنما هو منهج العقائد كافة، وفقا لما يحلو للذين تمكنوا أن يفسرونها ويتخذونها سبيلا لتحقيق مآربهم الخبيثة.
وفي عصرنا الحالي أصبحت العقائد من أسهل المسوغات للإقدام على البشائع، خراب ودمار وإزهاق للأرواح البريئة ومصادرة لحقوق الناس، والقيام بحملات التطهير العرقي والطائفي والمذهبي، وغيرها من التصرفات السيئة المدمرة للوجود الإنساني والقيم والأخلاق والتقاليد الصحيحة.
وفي كل يوم تتوارد الأخبار عن حماقة هنا وأخريات هناك، ومآسي تتفاقم وخراب مستطير، ودمار ساحق يعم أرجاء الأماكن، التي ترفع رايات عقائدها، وتطلق وحوش جنونها لتعيث فسادا في الأرض والعباد, وهي تنادي بأعلى صوتها بأنها تؤدي رسالة عقيدتها الصائبة الصحيحة، وما عداها لا يصلح إلآ للمحق والفناء.
فالعقليات العقائدية اقتلاعية، امحاقية ذات توجهات ضارة بالوجود الإنساني لأنها تنكر عصرها، وترفض الحياة، وتسعى لإقامة أسباب الموت والفناء. إنها إرادات سوداوية، وتطلعات متوحشة وتفاعلات سقرية، تحيل كل موجود إلى رماد، حتى لتختنق برماد ضحاياها، ودخان مآسيها فتموت أو يخبو سعيرها.
ولا يُعرف متى سينطفئ أجيج السلوكيات العقائدية، وتتحرر البشرية من تفاعلاتها الدموية، التي طغت على مسيرة الأزمان. فهل أن البشرية قد تحضّرت وتنوّرت، أم أنها لا تزال في غياهب كهوف المعتقدات والتحزبات والتصورات الظلماء؟!!
واقرأ أيضاً:
الحرب النفسية القاسية!! / تحطيم النفوس!! / أقلامنا تقاتلنا نفسيا!! / ولادة عام جديد!!