في هذه اللحظات يولد عام جديد، فنحتفل به بالأغاني والرقصات والقبلات، والأضواء والألوان والتعبير عن الحب الفتان، ونحسب أن هذه الولادة ليست قيصرية، وفي واقعنا المتأزم أن الأعوام تحولت إلى صافرات إنذار، تنشر الذعر وعدم الشعور بالأمان. ويبدو أن أول عمل سيقوم به المحتفلون في الساحات، هو الذهاب إلى دورات المياه، لأنهم قد سُجنوا لساعات في المكان لاحترازات أمنية مشددة. وهذا يعني أن الأعوام تشتد في خصامها ونُذرها وتدهور أحوال أيامها، فالبشر أصبح يَحذَر البشر، لأنه تحول إلى قنبلة موقوتة، وآلة تدمير وقتل وخراب.
رقصات وفرح وابتسامات وأنغام وآمال وتطلعات، وويلات وصراعات، وفي هذه اللحظة تهوي براميل المتفجرات على مدن وبشر أبرياء احتفاءً بحقدٍ جديد. عالم غابي الطباع مدنّس بالاحتراس والمخاوف النكراء، والمراقبة والمتابعة والترصد عبر وسائل الاتصال، التي اخترقت خصوصيات الناس، وحولتهم إلى عراة في ميادين الاحتراز.
فالحرية كلمة لا تساندها الوقائع والتفاعلات، وعندما توَهّم بها المحرومون منها، تحولت في ديارهم إلى أفظع بلاء. فالعالم يأكل نفسه، وأُرضة الإرهاب أخذت تنخر هياكله وأعمدة وجوده، حتى لتجده ذات عام جديد على حافة الانهيار الرهيب. وفي عالمنا الصاخب، أخذت تتشكل محاور ذات قدرات تدميرية هائلة، وكأنها تسعى للاصطدام والتحارب وعدم التوافق والانسجام.
وفي العام الذي يعلن عن بداية ختام النصف الأول من العقد الثاني لهذا القرن، تتقافز توجسات وتنطلق تحسبات، وربما تتحقق انزلاقات تأخذ البشرية إلى سقر، لأن سلوك القرون يشير إلى أن البشرية تنفذ إرادة الأرض في الصراعات والحروب، وفقا لمعايير موازين التعادل والبقاء، ولا يمكن لهذا القرن أن يحيد عن القرون السابقة، التي أوجعت البشرية بحروبها العالمية الإمبراطورية الحامية الوطيس والدماء.
ومشكلة هذا القرن أن البشرية تمتلك ما يكفي من الأسلحة الفتاكة لمحق النوع البشري عن بكرة أبيه، وما ينذر بالوعيد، البدء بالضغط على أسود العرين المدججة بآلات الفتك الخلاق، ومَن يتجرأ أن يوقظ الأسود النائمة عليه أن يتأهب لصولاتها الشنعاء.
أتمنى أن تكون البشرية قد انتصرت على عواطفها، ولجَمت أمّارة السوء التي فيها، وإلا فإن التأزيم سيحقق ويلات أرضية ما عهدتها القرون جمعاء، وأملنا أن يجنبنا الرحمن الرحيم شرور حرب عالمية دهماء. وكل سنة والإنسانية بخير ووئام، هذا ما استحضرته الدقائق الأولى من العام الجديد، الذي نحلم أن يكون سعيد!!!
واقرأ أيضاً:
تحطيم النفوس!! / قبائح السلوك العقائدي!! / أقلامنا تقاتلنا نفسيا!! / الطبيب مهاتير محمد وأطباؤنا المتسيسون؟!!