حزنتُ على أمّي، وأعلنت الحداد، لا لأنها أمّي الإنسانة وحسب، وإنما لأنها تحولت إلى رمز للحزن الأكبر الذي يعصف في أركان أمّي ويزعزع وجودها.
حزنت على أمي لأنها غمرتني بحزن كل إنسان فقد أمه، وأدركت بموتها أن الموت يباغت الظواهر والموجودات كافة.
الإنسان يموت
المجتمع يموت
الوطن يموت
الأحزاب والعقائد تموت
الجامد والحي يموت
الأرض تموت والمجموعات الشمسية تموت
وكل متحرّك وواقف يموت
نعم إنّ الأشياء جميعها تبلى وتموت!!
والمنتصر الأكبر هو التراب!!
حزنت على أمّي حزناً وطنياً، عربياً، إنسانياً، عالمياً كونياً مطلقاً!!
فالإنسان في بلادي يموت، ويختنق بالقهر والرعب والترهيب والحرمان والخطف والتعذيب، في العراق وسوريا وليبيا ومصر واليمن ولبنان وفلسطين وباقي بلاد العرب، يموت المواطن وينسحق ويندحر بتوالي الخيبات والهزائم والتداعيات.
الإنسان يموت بإسم العقائد والرسالات، ويُذبح من الوريد إلى الوريد، بفتاوى الوعيد والضلالات.
حزنت على أمّي العراقية العربية لأن الحزن سلطان!!
ولأن الأمّة بكامل صورتها ودورها وكيانها المتداعي، ودولها المتفككة المنهارة تزاحمت في فضاءات وعيّ وإدراكي، حتى لوجدتني أقرأ الفاتحة على هويتنا الحضارية، ومعالم صيرورتنا الإنسانية والتأريخية والدينية، وركام الانكسارات ومعززات اليأس والإحباط تداهم ما ينبعث من حواسنا وجوارحنا، حتى لأصبح الإنسان عدو الإنسان، والدين يقاتل الدين، والخير معتقل رهين، والشر صدّاح على الأفنان، يترنم بأناشيد البغضاء، ويصفق بمخالب العداء.
حزنت لأن الحزن شعور إدراكي رشيد!!
ولأن الأرض بلا حزن أمّارة السوء الشديد!!
وتدرعت بحزني وامتطيت صهوة حصان الصبر وأنا أردد:
"رأيت الدهر مختلفا يدور .... فلا حزنٌ يدوم ولا سرور"
فأصبحتِ الدموع مطافئَ حزنٍ يَقيد!!!
واقرأ أيضاً:
عولمة ومَأثمة!! / الحرية تقاتل الحرية؟!! / قيمة الإنسان المهدرورة!! / الإرهاب والذباب!!