الديمقراطية الحقيقية ليست نظاما سياسيا خالصا وإنما جوهرها الاقتصاد، وبدون نظام اقتصادي وقدرات تنموية ومشاريع ذات قيمة نافعة للناس، لا يمكن الحديث عن الديمقراطية التي اختصرتاها لجهلنا بها بإصبع بنفسجي وانتخابات، وهي لا تغني من برد ولا تطعم من جوع.
الديمقراطية تعني الزراعة والتجارة والصناعة والبناء والنقل، والرعاية الصحية والتقدم العلمي والثقافي، وتوفير الفرص لانطلاق طاقات الإنسان، وتحقيق أعلى درجات تفاعل الأجيال وتماسكها الحضاري الواعد بمطلق الولادات. وما تواجهه دعوات الديمقراطية في مجتمعاتنا أنها توهمت بأنها نظام سياسي خالص، وجردتها من أعمدتها القوية، ودعائمها اللازمة للحفاظ على استقامة قامتها وانضباط خطواتها، فتحولت إلى تحزّبات وتخندقات وفئويات، ومطالبات بموضوعات خارجة عن العصر، مما تسبب في تداعيات مريرة، وانهيارات اجتماعية وأخلاقية واقتصادية فظيعة، حتى تحوّل الفساد إلى عقيدة جوهرية في مسيرتها الدامية المكللة بالخسران.
وفي هذا امتهان للديمقراطية، وتشويه لمعالمها وملامحها الإنسانية، وتدمير لآلياتها التي تسعى لتحقيق الرفاهية والأمن والسعادة الوطنية، فالديمقراطية عقيدة إنسانية دينها وربها وكتابها ورسالتها الإنسان، الذي تريد أن تمنحه فرصة التعبير عن إنسانيته ونيل حقوقه، والحفاظ على كرامته ودوره الإيجابي في الحياة.
الديمقراطية لا يجوز حشرها بدين أو حشر الدين فيها، إنها لا تمت بصلة لأية عقيدة أخرى سوى الإنسان، الذي عليه أن يكون عنصراً إيجابياً فعّالاً في مسيرة إرساء مشاريعها النافعة للناس أجمعين، وبلا تمييز أو تحيّز وامتهان.
الديمقراطية ضد الظلم والقهر والعدوان على الإنسان ومسّ حقوقه بسوء، بل إنها تراعي حقوق المخلوقات كافة وبلا استثناء، لأنها تؤمن بأن الحياة حق للأحياء كافة. ولا يمكن للديمقراطية أن تترعرع وتكون في مجتمعات جاهلة اقتصادياً ومقعدة إنتاجياً، ولا تفهم في البناء والتطلع للمستقبل، وتنهمك بهدر وجودها وطاقاتها وثرواتها وعقائدها وتاريخها.
الديمقراطية بحاجة إلى عقيدة يوسف النبي المدبّر الحكيم، الذي يبتكر وسائل ومشاريع إطعام الناس غذائياً وروحياً ونفسياً وثقافياً ومادياً، لكي يتفاعلوا مع عصرهم، ويطلقوا ما فيهم من قدرات الخلق والإبداع والابتكار، والوصول إلى أقصى حالات الإنتاج النوعي المتميز. فالديمقراطية نظام اقتصادي أولا، وعلينا أن نستيقظ وننبذ معوقاتها بأنواعها وأصنافها وضلالاتها وخداعاتها التي تمتهن جوهر الوجود الإنساني، وتفسد في الأرض!!
فهل عندنا ديمقراطية يا أولي الألباب؟!!
واقرأ أيضاً:
التحريض والانتقام!! / الإسلام المستورد!! / أصفادُ قال ! / الوقاية الغائبة والعلاج العقيم!!