المراجعة: المعاودة
والرجيع من الكلام: المردود إلى صاحبه
وراجعه الكلام مراجعة ورجاعا: حاوره إياه
"ويرجع بعضهم إلى بعض القول": يتلاومون
الرُجعى: الرجوع
"ثم إلى ربكم مرجعكم"
والمراجعة تذكرنا بأيام الدراسة قبل الامتحان، حيث نراجع المادة لكي نستعد ونحقق الإجابة الأفضل.
والمراجعة سلوك ينطبق على الأفراد والمجتمعات، فالأفراد يراجعون أنفسهم عقب الانتكاسات والخيبات وما يحصل لهم من مشاكل ومعوقات، والمجتمعات أيضا تراجع نفسها عند مرورها بمشاكل ومعضلات وحروب وصراعات ومنعطفات مصيرية.
معظم شعوب الأرض تراجع نفسها، ويبدو أن المجتمع العربي هو الوحيد الذي يشذ عن هذا السلوك الحضاري المعاصر، فلا تجد مراجعة سلوكية سياسية وثقافية وفكرية وحزبية في مجتمعاتنا، بل أن اللاحق يكرر خطايا وآثام السابق وهكذا دواليك.
تتغير الأنظمة وتخلو ساحة الفكر والوعي السياسي من المراجعات، ويثور المجتمع ولا مَن يراجع ويستنبط الدروس ويجدد المسارات، وإنما هي دوران في دائرة التداعيات المفرغة. فلو نظرنا لأي بلد عربي لاتضح انعدام سلوك ومهارات المراجعات.
ومَن لا يراجع يرسب في الامتحانات!!
فما نكتبه لا ينم عن مراجعة حصيفة ودراسة موضوعية علمية للأسباب والمعطيات، وغيرها من العناصر الداخلة في صناعة المأساة.
والذي يطغى هو النكران والإسقاط والتبرير والتجاهل، ومحاولة استحضار المفردات السلبية ووصم المرحلة السابقة بها وحسب، وإثارة مشاعر العدوانية والكراهية والبغضاء، وبناء سواتر انفعالية ذات ردود أفعال تدميرية مروعة ودامية. فالمجتمعات التي تحققت فيها الثورات والتغييرات لم تقم بمراجعة واحدة للمراحل السابقة في حياتها، ولم تقييم سلوك الأنظمة التي ثارت عليها، وحسبتها سيئة وحسب.
وهذا غير صائب، فلا بد من إيجابيات يمكن البناء عليها وسلبيات يجب تجاوزها، فأي نظام مهما كان هو تعبير عن سلوك المجتمع في مرحلة ما وظروف ما. وكم من المجتمعات تراجع فترتقي وكم من الشعوب تتجاهل فتنتهي.
وعلى سبيل المثال- المجتمع الراوندي راجع ما حصل من مجازر، وقيّم الأسباب والعوامل التي دفعت لذلك السلوك المشين، وانطلق نحو مستقبل لا يمكن لما جرى أن يتكرر فيه، لأنه قد راجع ودرس واستنبط، ووضع الثوابت السلوكية الكفيلة بالوقاية منه.
ويبدو أن المجتمع الرواندي سيتقدم أكثر من المجتمع العربي في العقود القادمة، لأنه جاد ومثابر وحريص على مناهج المراجعات، ووضع الأسس والصياغات لمجتمع زاهر معاصر سعيد.
فهل سنراجع لكي نكون؟
أم سنبقى في تجاهلنا ونكراننا وإسقاطنا وتبريرنا وانهماكنا في تداعيات الانقراض الأكيد!!
واقرأ أيضاً:
الوقاية الغائبة والعلاج العقيم!! / روعة الإنسان المهزومة!! / الأوطان موجودات أرضية لا كيانات سياسية؟!!