تشتعل المظاهرات في أوربا من قوى اليمين تارة، ومن قوى اليسار تارة أخرى، فأين تقف الجاليات العربية والإسلامية، وبخاصة الأجيال الأصغر، من هذا الصراع السياسي... حالياً.
لا أعيش في أوربا، ولكن ما يحصل هناك يؤثر في حياتي، وحياة الكثيرين ممن يعيشون خارجها، ولدي قلق متزايد، ومخاوف تتعاظم بشأن الوجود العربي والإسلامي فيها، وقد تتلمذت حينا على مولانا الشيخ محمد الغزالي، وله كتاب أحفظ عنوانه: مستقبل الإسلام خارج أرضه - كيف نفكر فيه؟؟
ثم كان تجوالي في أقطار أوربية وأجنبية كثيرة مصدرا لانطباعات غير مطمئنة عن ملايين خرجت من بلدانها الأصلية في الشرق أو الجنوب الجغرافي بحثا عن الكرامة والحرية وفرص عيش أفضل، ومرت بمراحل وتوالت فيها أجيال وراء أجيال، وإعلامنا المنشغل بالترهات منصرف عن أن ينقل لنا تفاصيل حياة أهلنا هناك بما يحفز غيرهم ممن يجاهدون لأجل الرحيل من هنا، أو يعلمهم فيعظمون المكاسب، أو لا يكرروا الأخطاء على الأقل!!
هل ما تزال مشاركة الأجيال الأصغر في الشأن العام، والسياسي... محدودة كما كانت مشاركة الكبار؟؟
هل ما يسمى بالصوت العربي والإسلامي في الانتخابات المحلية أو البرلمانية أو حتى الرئاسية مترددا، أو ضعيفا، أم يشارك الشباب بفاعلية أكثر، ويحسبون خياراتهم حاليا... بشكل أفضل؟؟
هل الحضور العربي والإسلامي في المولات والأسواق وشراء بضائع استهلاكية ما يزال أكبر من الحضور في أروقة الأكاديميا وشاشات الإعلام وأنشطة المجتمع والثقافة؟؟
بدون اندفاع في إصدار أحكام أقول إن الصوت العربي والإسلامي في الغرب لا يكاد يبين، وهذا يستدعي فحصا ودرسا ومراجعة ممن يهمهم الأمر!!
وفي الأزمة الاقتصادية الحالية، ومع ارتفاع أصوات من اليمين واليمين المتطرف، وتزايد العداء للأجانب والهجوم على المهاجرين بأكثر من أسلوب يبدو اليسار بديلا متاحا، ويستدعي هذا بدوره عدة أسئلة!
اليسار أكثر تقدمية وتحررا، وبالتالي أقل محافظة من الناحية الأخلاقية، فهل جرت مفاوضات أو حوارات مع رموزه وأحزابه ومفكريه... حول مسألة القيم... المطلق منه، والنسبي؟؟
اليسار يبحث عن مصلحته السياسية ويسعى لصيد أصوات المهاجرين لتدعم أسهمه في الانتخابات... أية انتخابات... فما هي نوعية المصالح التي يسعى لتحقيقها العرب والمسلمون المقيمون في الغرب ليتفاوضوا بشأنها؟؟
اليسار ليس أحزابا سياسية فقط بل هو أنشطة متنوعة، وطريقة حياة يومية، وأشكال إبداع، فما هي علاقة شباب العرب والمسلمين بهذه المساحات؟؟ وما هي أنشطتهم؟؟ وما هي الحياة التي يعيشونها؟؟ وهل تختلف شيئا عن الحياة المادية الاستهلاكية السائدة في بلدان الوفرة؟؟
إذا كنت يساريا فأنت – تقول على الأقل بأنك - تتميز عن أترابك بقراءات وتساؤلات ولقاءات تطرح كل شيء للبحث والمناظرة بعيدا عن الدوجما الفكرية المغلقة، فما هي معدلات قراءة الشاب أو الفتاة من العرب والمسلمين أبناء المهاجرين من بلدان العرب والمسلمين؟؟
ما مدى اهتمام الشباب العربي والمسلم أصلا بالمجال العام في بلده الأوربي؟؟ وبالقضايا التي تشغل الرأي العام هنا أو هناك في أوربا؟؟ فضلا عن أن تكون له وجهة نظر ليدلي بدلوه في هذه القضية أو تلك!!
أحيانا تبدو لي قائمة الأسئلة والموضوعات المطروحة هناك في النقاشات الإعلامية واليومية بعيدة كل البعد عما هو مطروح هنا عندنا، ولا أدري أين يقف ويهتم الشباب العربي في بلدان الغرب؟؟ وما هو معنى ومستوى اهتمامه؟
وإذا قرأ هؤلاء الشباب شيئا من الفكر الإسلامي فماذا يقرأون؟؟ ولم؟؟
هل يقرأون "معالم في الطريق" للشهيد سيد قطب، مثلا؟؟ أم يقرأون له كتابه "معركة الإسلام والرأسمالية"؟؟
هل يقرأون كتاب مصطفى السباعي "اشتراكية الإسلام"، أم يرددون فتاوى وأفكار تقرر حرمة التدخل في آليات السوق تحت دعاوى مختلفة، وبديباجات إسلامية معروفة؟؟
يستطيع هؤلاء الشباب أن يساهموا في تطوير اليسار، وفي أن يكونوا وصلة تشبيك لعديد من القوى والتجمعات التي تتفرق بها السبل بينما تجمعها معاني نبيلة وجهاد في سبيل الإنسان وحريته!
إنقاذ وإنعاش الوجود العربي والإسلامي في الغرب هو هدف يمكن تحقيقه جدا، ويحتاج إلى تواصل وحوار بين العرب والمسلمين وغيرهم من نشطاء اليسار بأطيافه، والجماعات المدافعة عن العدل الاجتماعي، ومستقبل البيئة، والدوائر الحريصة على حرية التعبير، وكذلك حرية الهجرة والتنقل، وفعاليات أخرى كثيرة، لكن تبدو لي فجوة بين العرب والمسلمين وبين مجتمعاتهم في المهجر، لا تقل عن الفجوة بين العرب والمسلمين في أقطارهم، وبين فهم العالم المعاصر، وحتى فهم الإسلام نفسه، وإمكانات إسهامه في هذا العالم المعاصر!!!
ويبدو أن هاتين الفجوتين تتغذيان على بعضهما البعض!
واقرأ أيضًا:
أخطر أعداء التغيير/ الجماهير والتغيير 2