"إيّاك نعبد وإيّاك نستعين"
نقرؤها كل يوم أكثر من مرة.
فهل نعيها ونعمل بها؟
أم أننا لا ندري ما نقرأ؟
العبودية لله سبحانه وحده وليس لسواه من الخلق مهما كان وتجبّر.
العبودية لله تعني الحرية والإنطلاق البعيد في فضاءات الأكوان، والحياة والتفاعل مع القيم والمعايير الخلاقة في فضاءات وجودنا المتناهية الآفاق. أما العبودية لعبد الله، فتعني الذل والامتهان والاسترقاق، والخروج عن طاعة الله والدخول في عبادة الأهواء، والإنزلاق في دروب الشرور والضياع الشامل المقيت.
فيا رمضان أصبحنا لا نقرا ولا نسمع، وكتبنا على أنفسنا أن نتبع ولا ندفع. نتبع هذا ونركض وراء ذاك، ونؤمن بما يقول فلان ونصدق ما يتفوه به فلان.
ديننا دين إقرأ وليس دين إجهل وتمَذْهَب وتمزّق وتفرّق.
دين الحرية والأمل والتفاؤل والإيمان، والصدق والأمانة والتعاون والمحبة والإحسان.
دين الرأفة والرحمة والتسامح والتحمل والصفاء والنقاء.
دين وخلقناكم من نفس واحدة.
دين وجادلهم بالتي هي أحسن.
دين وما أوتيتم من العلم إلا قليلا.
دين قل هو الله أحد.
دين إلهكم اله واحد وأنا ربكم فاعبدون.
دين إن مع العسر يسرا.
دين واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرّقوا
فأين نحن من ديننا ؟
وما هي المسافة التي تفصلنا عن الدين؟
وما هي الموانع التي تتنامى بيننا وبين الدين؟
تساؤلات لا بد من بحثها في هذا الشهر المبارك، شهر تنقية الذات وتطهير النفوس من الأوذان الرغبوية والمشاعر السيئة، التي تسببت بها تفاعلاتنا المؤذية في أرض الله الواسعة.
شهرٌ أنزل فيه القرآن على نبينا الكريم (ص) الذي جاهد في سبيل الإرتقاء بنا من عبادة الأوثان إلى عبادة الرحمان الرحيم الذي لا رب سواه، والناس أمامه يتفاضلون بالتقوى وحب العبادة والإخلاص له وحده لا شريك له.
إنّ الوحدانية الرائعة التي جسدها الرسول الكريم في سلوكه وخُلقه، وما قام به في حياته وتطلعاته المطلقة إلى السماء وجنان الرحمة والإيمان ، هذه الوحدانية تكاد تغيب عنا ونحن نتفرق ونندفع في الدروب الضيقة وندخل الأنفاق المظلمة، فنحسب الشر خيرا والظلام ضياء، ونلغي العقل وندين بالتبعية لهذا وذاك، وننسى أن الله أعطانا العقل وألزمنا أن نستخدمه ونتفكر ونتعلم ونتدبر، لكي نصل إلى وعي وحدانيته وجلال روعته وفسيح جناته.
العقل الذي هو عدتنا في التحرر من عبودية القوى الأرضية، والتمسك بالعبودية الحرة الصافية لله تعالى.
إنّ عبادة الله والتقرب إليه لا تكون بالصلاة فقط، بل أنها عمل وجهد شاق وتضحية متواصلة لكي ينتصر الإنسان على نفسه ويرتقي إلى مجد روحه، ويطوف في فضاءات النعيم الرباني المطلق. وقد تكون الصلاة عند بعضهم وسيلة للترائي أمام الناس، وكأنهم ينسون أن الله تعالى لا يخفى عليه ما في الأرض والسماء.
إن العبودية الواعية الصادقة هي التي تمنح الإنسان الحرية وتجعله يعبّر عن إنسانيته بأساليب راقية ترضى عنها إرادة السماء، وتحقق السلام والمحبة والرحمة والرجاء في الأرض المنكوبة بالويلات البشرية والمجاعات، وتكاثر الفقراء الذين لا حول لهم ولا قوة إلا التراب.
إنّ الإبتعاد عن الوحدانية وتجاهل القرآن الكريم وعدم فهم معاني آياته، والاندفاع نحو ميادين الجهل والأمية هي التي تتسبب في الكثير من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية في عالمنا اليوم، وهي التي تؤدي إلى سفك الدماء وإزهاق أرواح الأبرياء تحت رايات إتفعالية جاهلة، ومشحونة بالمشاعر السلبية وبالكم التراكمي للمشاعر الظلامية المزروعة في الأعماق، بأساليب طقوسية وإنفعالية ذات تأثير سالب على الوجود البشري والدور الحضاري للجماعة، التي تحقق فيها هذا الفعل والإجراء القاسي الحزين.
إنّ العودة إلى الله سبحانه وعبادته حق العبادة والتفاعل الواعي مع تعاليم السماء، هو الذي يصنع فجر الخير والسلام ويلغي الهموم الأرضية، التي تتأجج كأنها الجحيم الذي وقوده الناس والحجارة.
يا رمضان ما أحوجنا في أيامك هذه للعودة إلى بارئنا عودة صدوقة خالصة، فننقي نفوسنا من عوالق البغض والكراهية والخوف والشك وعدم الثقة ببعضنا، ولنطهر أعماقنا من العداوة والمذهبية والطائفية.
يا رمضان لنتوجه إلى الله تعالى ولا نتبع أحدا سواه ولا نعبد أحدا سواه، فهو ربنا وهو خالقنا ومنزل القرآن على نبينا الكريم ليكون هدى للناس أجمعين.
اللهم ارحمنا ويسّر أمرنا وفرّج كربتنا وإمنح بلادنا الأمن والمحبة والسلام، وأبعد عنها شرور الأشرار يا رب رمضان يا غفور يا منان.
واقرأ أيضاً:
لتصفيق بيدٍ واحدة!! / الوطن مذهبنا!! / الأميّة القرآنية!! / قيمة الأمانة!!