صرختُ بوجه الانفجارات كما صرخَ الكثيرون بأقلامهم،
وقلت لها غاضبا: تبا لكِ ولشياطين السوء والظلام، التي تدبّر أمرك وتؤهلكِ للفتك بالحياة ومعالمها وقتل إنسانها الذي يتمتع بها.
لكنها ضحكت وقالت: أنا من صنع الإنسان!!
فقلت: وكيف يكون ذلك وأنتِ عدو الإنسان؟
قالت: الإنسان هو ألد أعداء الإنسان!!
قلت: أيتها المتوحشة المراوغة المخادعة إرفعي الحجاب وتعري أمامي، لكي أرى حقيقة أمركِ وأفهم غاياتكِ.
قالت: أتحسبني سأرمي ثيابي بسهولة وأريك هويتي؟
أنت من المغفلين الراكضين وراء كل ناعقة، والراقصين على دق طبول البهتان والتضليل.
قلت: يا ظالمة تحدثي معي بلسان الظلم القبيح أو أي لسان يعجبكِ، فلا يعنيني إلا أن أعرف نواياكِ.
قالت: سأقول وعليكَ أن تفهم ولن أكون مباشرة معك، ولهذا لا بد لك من بذل جهد لإدراك ما أعني وأقول.
قلت: تفضلي أيتها الملعونة المتمتعة بالدماء والأشلاء والدمار.
قالت: كل شيئ مفهوم وواضح وخرائط الويلات مرسومة على ورق أسود!!
قلت: لم أفهم؟
قالت: ألا تفهم في قراءة خرائط امتلاك الشعوب وتدمير الأوطان؟
تحيّرت في كلماتها وما عرفت قولا لكنها مضت بكلامها،
وقالت: الجميع أصبح يدور في دائرة الفناء المفرغة كالسكارى المنتشين بنبيذ القوة الواهمة.
قلت: هل أنتِ من وحي السوء الذي يتوطن النفوس المريضة والعقول المألوسة، التي تأنس بسفك الدماء ونشر الدموع والأحزان في المجتمع.
قالت: فسر ونظّر كما تشاء!!
قلت: أنتِ حكاية شعب يُراد له أن يسقط في بئر الويلات وتتحول أرضه إلى جحيم، وفقا لما يرونه ويحسبونه عقيدة ودينا.
قالت: تريد أن تقول أم تريدني أن أقول؟
قلت: دعيني أعبّر عن غضبي كأبناء شعبي، فأنتِ جريمة إنسانية كبرى بحق الأرض والسماء، والأديان والمذاهب والقيم والأخلاق وشرائع الوجود كافة.
قالت: أنا عمل مدبّر ومخطط له بعناية ودقة وبأساليب ذات مهارات معقدة، ومعدة من قبل خبراء أشداء معتوهين يشربون نخب السعادة بعدما أتحقق.
فالفاعل معروف والمفعول به هو الوطن والإنسان والإسلام والعرب أجمعين.
قلت: إنهم يقولون أنتِ من صنع (هو وهي) بعد أن تزوجا زواجا غير شرعي!!
قالت: الجميع ينشغل بهما وغشيت بصيرته العواطف والإنفعالات، وأخذ منه الغضب والخوف مأخذا كبيرا.
قلت: أنتِ - كما يذكرون - صناعة مجهولة في عالم معلوم، ولعبة المجهول على مسرح الويلات، فالممثل مجهول والضحايا جميع المتفرجين الأبرياء المشغولين بالمشهد الخدّاع، والمتفاعلين مع الممثلين التي تدير حركاتهم قوى كامنة خلف الكواليس.
قالت: أنا وسيلة لإشاعة الرعب والقلق والتوجس من الحاضر والمستقبل، ولكي تتجمد القدرات وتتوقف إرادة الخير والبناء ويعمّ اليأس، ويستوطن الناس الشعور بالخيبات والإذعان للسيئات والموبقات.
قلت: وربما أنتِ أحد أهم إنجازات الفساد وتفاعل الفاسدين مع الواقع المشين، وتفضيل الذات المنحوسة على إرادة المجتمع ووحدته وقوته ورفاهية وسعادة أبنائه، أو بدقة أكثر أنت عنوان الفساد.
قالت: أنا أتحمل ما لا يحصى من التفسيرات، وهذا سر نجاحي وتحقيقي لأهداف أسيادي. فعندما تطغى على تصوراتكم ورؤاكم تفسيرات ترضي حاجاتكم النفسية، فأنا أكون في غاية القوة والنشاط.
فأنتم تتلهون بهو وهي على مدى سنوات، ولا يمكنكم الخروج من هذا النفق القاتل الذي يتم حشركم فيه، ولهذا فإنني سأتواصل لأنكم بغفلتكم توفرون لي الغطاء الأمين.
قلت: أنتِ نتيجة متمخضة عن تحوّل الكرسي إلى عقيدة ودين ومذهب وكتاب، بل ومعبود تسعى إليه الناس لكي تتبارك بعطاياه، وما يمنحه من إرضاءٍ لحاجات النفوس الأمّارة بالأسوأ من السوء.
قالت: أنا فرصتكم للتصريح بأن الفاعل كما تشتهون وتتصورون، لكي تعبّروا عن مشاعركم السلبية بعنف شديد.
وبعدها ستصرّحون بأن المجرم مجهول - كعادتكم - وسيبقى مجهولا لأنه معلوم وصاحب الخطة والقرار والفعل.
فكل مجهول معلوم، وكل معلوم مجهول في زمني الصاخب.
قلت: أيتها المحيّرة المتورطة بالآثام والعدوان قولي شيئا أكثر وضوحا.
قالت: ألا تساءلتم لماذا لا تهتز مشاعر الدنيا لإنجازاتي الفتاكة، ولم تشر إليها نشرات الأخبار ووسائل الإعلام إلا بخجل وتذكر أرقاما وحسب.
ستجيبون بأن العالم بلا ضمير أو أن ضميره قد مات، وتجهلون أن المصلحة في عرفه أصبحت هي الضمير.
قلت: أتعنين أنتِ القانون وغيركِ أمر خارج عن جميع القوانين.
قالت: حدث نفسك بما شئت، وعليك أن تعلم بأنني أحد قوانين المستنقعات السياسية.
وأنا منهج المتشبثين بغيرهم، والذين لا يمكنهم البقاء خارج خيمتهم، ولا يفوتك بأنني أشرب نفطا!!
قلت: أيتها السيئة السيدة هل من تفسير لأني أجد صعوبة متنامية في وعي أقوالكِ، ولو أنكِ إشترطتِ ذلك في بداية الكلام.
قالت: أنا لعبة المحترفين في ملاعب البؤساء والأبرياء والمغفلين، والحائرين بلقمة العيش والحالمين ببعض الأمن والسلام والرحمة.
وأنا وسيلتهم لتحقيق أعظم الأرباح في تجارة قتل الناس، وترويعهم وهدم بيوتهم وتدمير أوطانهم.
وأنا دسيسة كبرى وخطوة لتنفيذ مشاريع وأحلام سوداء، للذين يريدون أن يقتلَ المواطن أخاه المواطن، والعربي أخاه العربي، والمسلم أخاه المسلم، وأنا الطريق الأمثل لتحقيق الأهداف المريضة المتعفنة في بطون الكتب الصفراء.
وقد تم تجريبي وتبيّن بأني من أفضل الوسائل، وأقصر الطرق المؤدية إلى الغايات الكبيرة الملثمة بالقيم السامية، الراقدة في توابيت الذين صار الكرسي ربهم الأعظم.
قلت: لقد أصابني الغثيان من أقوالكِ المرعبة، ولا أملك إلا أن ألعنكِ وكتاب أميركِ، وأن أتضرع إلى الله أن يقينا من أهوالكِ، التي تصرّين على أنها ستتكرر وتتكرر، وتكون أقوى وأخطر.
فأخمدت تساؤلاتي وأنكرت وجود تلك اللعينة بقربي، وخلت أنني كنت في إستغراقٍ ما بين اليقظة والنوم.
فعدت إلى نفسي ورحت أحدق في السماء، أبحث عن بقعة أمنٍ وسلامٍ ورحمة ورأفة، وقدرة على أن نكون ونحيا آمنين.
وتضرّعت إلى الله القوي، أن يحمينا أجمعين من هذا الوبال المستطير المهين، وتساءلتُ عن إعمال العقول لتحفيز آليات التحدي والمواجهة بالاعتصام بحبل الله المتين.
واقرأ أيضاً:
مَن يبني الأوطان؟! / الكذب صراط الخائبين!! / شعوبٌ تقرأ وأخرى تزرأ!! / الإذعان!!