هكذا تُدرك شعوب الدنيا قاطبة جوهر حقائق التحدي والبقاء، وتعرف معنى أن يكون الجهد مشترك، والتفاعل متّحدٌ للتصدي للخطوب والملمات التي تواجهها. وهذا السلوك لا يكاد يشذ عنه شعب أو أمة في الأرض إلا فيما قل وندر، لكنه يكون الشائع والسائد في المجتمعات العربية، التي تجدها في أقصى حالات التمزق والتفتت والشقاق والتصارع والتشظي أمام التحديات والنوازل، التي تعصف في أركانها وتهدد وجودها وبقاءها.
والأمثلة واضحة ومؤلمة في بلدان عربية عديدة تعاني من هجمات مدمّرة، وما في داخلها يتحول إلى قديد ومجتمعاتها وقادتها وأحزابها موجودات متصارعة تقاتل بعضها، وتنتمي لهذا الطرف أو ذاك الذي يريد أن يحقق مصالحه وحسب، ويشعر بالسعادة عندما يجد غيره أشد حرصا على مصالحه ويموت في سبيلها. وهذه ظاهرة عربية مرعبة ألقت بظلالها على القرن الحادي والعشرين منذ بزوغ عامه الأول، ولا يمكن تفسيرها إلا أن المجتمعات العربية فيها طاقة انتحارية جماعية ساعية نحو الإنجاز.
إذ لا يمكن لعاقل أن يتصور ويصدق ما يجري ويحصل من أحداث في بلد واحد ومجتمع واحد ودين واحد، من تفاعلات سلبية تدميرية تخريبية لكل ما يشير إلى وطن وهوية وعقيدة وعلامة عربية حضارية فارقة. فالدنيا ترى أن الإتحاد واجب، ومجتمعاتنا ترى أن الصراع واجب والفناء واجب، وهذا ما يمكنه أن يبرر العديد من التفاعلات الدامية الاستنزافية الإهلاكية القاسية بجرائمها ومآثمها وخطاياها، وامتهاناتها لجميع الحقوق والأعراف والتفاليد والقيم الإنسانية والدينية والوطنية، وهذا يعني أن المجتمعات في بلداننا تؤدي رقصة المآليس على إيقاع طبول الوعيد، وهي تتقافز إلى سقر وتحلم بجنة ذات ثمر!!
وأنها مخمورة بالضلال والبهتان والتفاعل الدامي الانقراضي الفتان!!
واقرأ أيضاً:
كلام وسهام!! / لكلّ طريقٍ مُفترَق!! / الدي... مقراطية!! / الوعي الآثاري!!