نحن من المجتمعات الأمية قانونيا ودستوريا. ليس هذا اتهاما ولا ادّعاءً، وإنما هو واقع فاعل فينا، نكتشفه حينما نتحدث مع مجتمعات الدنيا الأخرى، وعندما نلاحظ حواراتهم فيما بينهم نكتشف أميتنا القانونية والدستورية. فالمجتمعات البشرية المتحضرة تتحدث بلغة القانون والدستور، وتعرف المنطلقات القانونية والدستورية أكثر منا.
كنت ذات يوم في جلسة مع عدد من الأخوة من بلاد غير عربية، ودار الحديث في مواضيع سياسية فتعجبت من أساليب النقاش وكيفيات إبداء الآراء، حيث أنها كانت تنطلق من معايير قانونية ودستورية لا تتوفر في أحاديثنا السياسية، وجدتهم يفكرون ضمن صياغات وآليات لا نتحدث بها، وأدركت بأنهم تعلموا ذلك في المدرسة والبيت والمجتمع.
وأخذت أقارن ما بين أحاديثنا عندما نتناول موضوعات سياسية، وإتضح لي بأن ما نبديه من آراء، لا يخضع لمقاييس مشتركة ولا يعرف الأصول القانونية والدستورية، وإنما نطرح الآراء وفقا لهوانا وما نراه وحسب. والحديث بلغة قانونية ودستورية في الشؤون السياسية يتحقق في الدول التي تقدمت وأعطت وصارت قوية، أما المجتمعات والدول المتأخرة فأنها تجهل هذه المهارات الحضارية اللازمة للبقاء والدوام الصالح.
إن الثقافة القانونية والدستورية من ضرورات المجتمعات المتحضرة، ومن أساسيات القوة والتفاعل الإيجابي، ومن غير هذه الثقافة تفقد المجتمعات الكثير من طاقاتها وتنحدر إلى تفاعلات سلبية ضارة. ومن المعاصرة أن نبدأ بهذه الثقافة في المدرسة والمجتمع ووسائل الإعلام، لكي نرفع وعي الناس ونتجنب السلوك المنحرف والمتقاطع مع القانون النافع للمجتمع. فالإنسان في مجتمعات ثقافة القانون والدستور، يعرف معاني المنطلقات القانونية ومفردات لغة القانون أكثر منا بكثير، فنحن ما تربينا قانونيا ولا دستوريا، وإنما نحن من إنتاج ثقافة الصورة والكرسي والحاكم والحزب والفرد.
ولم نتهذب قانونيا ولا دستوريا لأننا عشنا أعمارنا تحت نظام الطوارئ والدستور المؤقت إن وجد دستور، ولهذا فإن سلوكنا مضطرب على جميع المستويات. ولا يمكن علاج الحالة الغير مستقرة إلا بالعودة إلى التربية القانونية والدستورية واحترام المعايير والقوانين والأصول، فالإدعاء بالقانون دون ثقافة قانونية مجتمعية لا يمكنه أن يحقق نتائج ذات قيمة معاصرة.
واقرأ أيضاً:
التفكير المُضحك المُبكي!! / الديمقراطية والاستقلالية!! / طه حسين قدوة الروح المصرية!!