التجهيل الوطني أسلوب استحواذي استعماري يهدف إلى إشاعة الأمية الوطنية بين أبناء الوطن، مما يساهم في إضعاف انتمائهم إليه، وبخسهم لقيمته ودوره وأهميته، واعتباره شيئا يمكن النيل منه وخيانته والتنازل عنه وهجره، وبهذا يسهل أخذه من قبل القوى الطامعة فيه.
وما يجري في بعض المجتمعات، أنها خضعت لماكنة إعلامية تستهدف الوصول إلى أقصى حالات التجهيل الوطني، لكي يتحقق الافتراس المريح للوطن، وذلك بالترويج لمفاهيم وأفكار وحالات انفعالية وعاطفية شديدة التأجج، وإقرانها بالعديد من الأحداث المعززة لالتهابها واكتساحها لكل ثابت وراسخ في الوعي الفردي والجمعي، حتى تحولت بعض الأوطان إلى موجودات سرابية وميادين للانتحار الذاتي والموضوعي.
والكثير منها صارت مشاعة للآخرين القادمين من كل حدب وصوب، والمتطلعين إلى موائد الافتراس اللذيذ، وشرب أنخاب النيل من ذوي العاهات السلوكية المؤدلجة بدين، والمعممة بالفئويات والطائفيات والتطرف الرائع النتائج والربح الوفير، والذي يساهم بإشاعة الخسران العظيم ما بين أبناء الوطن الذي ما عاد واحدا، بل لا اسم له ولا عنوان، ذلك أن العناوين الامتهانية الإذعانية قد تسيّدت عليه وطمرته في وحْل الجهالة والضلال والخداع والبهتان.
وإنه لوجع جضاري مزمن متوطن في النفوس والقلوب والرؤوس، ذلك الذي يتحقق في بلدان ذات مسيرات حضارية ناصعة ذاد عنها أبناؤها الأصلاء الطيبون المخلصون، وأصبحت فرائس للمدجنين والمتخاذلين التابعين لذوي الأيديولوجيات والتصورات العقائدية السوداء، التي تريد محق الدنيا بدعوى الفوز بالآخرة، وغيرها من التهيؤات التي لا تبصر جوهر الدين.
ولهذا فالوطن ما عاد له وجود في وعي الناس، وإنما الانتماء صار لمسميات أخرى ذات نزعات انتهائية إتلافية تدميرية، لأنها تسوّغ المآثم والخطايا، وتقتل الله ودينه ورسوله بفتاوى المغرضين المساهمين في سفك دماء البرايا، وتدمير العمران والحيوان والزرع والشجر، بل أنها تعادي التأريخ، وتحسب ما هو قائم يستحق التهديم والزوال.
ووفقا لهذه السياسات المبرمجة المُحكمة الإتقان والتنفيذ والتوقيت، فإن البشر ما عاد يعرف وطنه، ولا يعنيه ما يصيبه، وإنما أخذ يتكلم بلغة جراحه وشفاه دمامله ولسان أقياحه، ولا يمتلك القدرة على التمييز بين ما يضره وينفعه، لأنه مُصادر العقل ومنزوع الإرادة، ومُكهرب بالتبعية والإذعانية والخنوع للذي يمتلكه ويتحكم بمصيره، ويدفعه إلى أتون الويلات والأهوال العاتيات.
وبهذا الواقع الساري المعدي المتوطن، ستضيع الأوطان وينتفي الإنسان، ويغيب الخير ويتسيّد الأشرار والأزلام والمُسخرين لتنفيذ أجندات الآخرين.
وتلك مصيبة أي وطن يتمرغ بجمرات الأنين، ويصطلي برسالة أرحم الراحمين، وينكر النور المبين؟!!
واقرأ أيضاً:
البشر البضائع ضائع!! / دَيْزيّاتْ!! (2) / النفس العدمية!!