الفصل التاسع
النجاح الوحيد في الحياة هو: "أن تستطيع أن تحيا حياتك بالطريقة التي تريدها". ويقول المثل الإنجليزي: "متى توفرت الإرادة سهلت الطريقة".
يبرز هنا سؤال مهم هو: ماذا تريد أنت؟ وماذا يريد الآخرون الذين تحبهم وتهتم بهم؟ وهذا الكتاب يعرض هذه الأسئلة ويبين الفروق والاختلافات كما يصف الطرق التي يمكنك بواسطتها توظيف قدراتك بشكل ذكي وفعال، ولقد أصبحت بالفعل خبيرا في تأكيد الذات وتحتاج الآن إلى تحديد هدفك.
إن أدواتك الفعالة تكون بلا فائدة ما لم تتوافر لديك فكرة جيدة عن استخدام هذه الأدوات في تحقيق ما تريده بها؛ فمثلا لو أن لديك أفضل أنواع المناشير وأنت تتجول في الغابة وتعرف نوعية الأشجار التي تريد قطعها فإنك في هذه الحالة تكون ممسكا بزمام الأمور. أما إذا كنت لا تعرف نوعية الأشجار فإنك تمتلك أداة رائعة ولكنها محدودة الفائدة، أليس كذلك؟؟!!.
صورة حياتك تتوقف على قدراتك الحوارية، سوف نتحدث عن تحديد مهارات الحوار التي تجعلك قادراً على استخدام قدراتك بأفضل شكل ممكن عند مواجهتك لأي موقف، فمن المهم أن تكون لديك القدرة على رسم استراتيجية خاصة ترشدك إلى أين تريد الذهاب وتعرف الوسائل التي يمكنها مساعدتك للوصول إلى ما تريد.
وقبل أن نواصل حديثنا في هذا الموضوع دعنا نسترجع بعضا مما تعلمناه آنفاً فالشيء الرئيسي الذي تعرفه الآن هو أنه ليس هناك حدود لما تستطيع القيام به، ومفتاحك هو المحاكاة والتقليد، فالتفوق يمكن تحقيقه بالتقليد لأي شيء يفعله الناس، فيمكنك تحقيق فعل أي شيء بالتقليد المتقن لما يقوم به صاحبه، وسوف ترى أنك تفعل مثلهم تماما وسواء كان ما يفعلونه السير على النار، أو كسب ملايين الدولارات، أو الدخول والاندماج في علاقة قوية بطرف آخر...... لقد استطاع الشعب الياباني أن يتغلب على هزيمته الساحقة في الحرب العالمية الثانية، ويقف على قدميه مرة أخرى كقوة اقتصادية وتكنولوجية مبهرة لكل شعوب العالم، وذلك عن طريق التقليد المتقن لكل المنتجات التقنية المتقدمة في الدول الغربية المتقدمة صناعياً، وبعد أن قلد اليابانيون التقنية الغربية المتطورة بدقة أصبح لهذا الشعب العملاق -بمثابرته على إتقان العمل- الصدارة في الابتكارات التكنولوجية وعلى مختلف المستويات وفي مختلف الصناعات والمجالات!!!، ولكن كيف يمكنك تحقيق الإتقان في تقليد الآخرين؟!.
في البداية عليك أن تدرك أن النتائج تتحقق عن طريق القيام بمجموعة إجراءات فكل نتيجة لها مسبب؛ فلو أنك قلدت تصرفات شخص آخر بالضبط ظاهريا وداخليا فسوف تحقق في النهاية نفس النتائج التي يحققها ذلك الشخص؛ فمثلا أبدأ بتقليد تصرفات وسلوكيات شخص ما، أي أبدأ أولا بتقليد أخلاقياته الطيبة في العمل كالصدق والأمانة والإخلاص والمثابرة والعمل بروح الفريق، ثم اتبع قواعده المنطقية، وأخيرا قلده في شكله، وطبيعته، وصورته الخارجية، وحاول أن تفعل هذه الأشياء الثلاثة بدقة وسوف تتمكن من القيام بأي شيء تريده. وهذا ما قام به اليابانيون والصينيون بالفعل في تقليدهم لتكنولوجيا الغرب لدرجة جعلتهم في النهاية يتفوقون على الصناعات الغربية، وأصبحت الصناعات اليابانية والصينية تغزوا الأسواق الأمريكية والأوروبية!.
لقد عرفت مما سبق أن تحقيق النجاح أو الفشل يتوقف على الاعتقاد بأحدهما فسواء أكنت تعتقد بقدرتك أو عدم قدرتك على تحقيق شيء ما فأنت على حق، حتى ولو كنت تمتلك المهارات والإمكانات التي تساعدك على تحقيق هذا الشيء، فإذا قلت لنفسك إنك تستطيع تحقيق هدف ما فإنك بذلك تفتح كل الطرق التي تمدك بوسائل تحقيق هذا الهدف. وتذكر معي قول توماس جفرسون: "الثقة بالنفس والتفاؤل بالخير معديان، ويا لنعم العدوى".
هل تعرف وصفة أقصى نجاح يمكن تحقيقه؟ في البداية حدد النتائج التي تبتغي الوصول إليها وقم بتنمية إحساسك بما يتحقق ثم زد من مرونتك في تغيير سلوكياتك حتى تجد أفضلها، وثق أنك ستتوصل إلى النتائج المحددة وإذا لم تستطع فهل تكون قد فشلت؟ بالطبع لا فأنت في هذه الحالة محتاج إلى تغيير، مثلك في ذلك كمثل قائد المركب تحتاج فقط إلى تغيير سلوكك حتى تصل إلى ما تريد.
لقد عرفت فيما سبق كيف تكون في حالة منتجة، وقد عرفت أيضا كيف تغير فلسفتك ومعتقداتك الداخلية حتى تخدمك وتمكنك وتساعدك على تحقيق رغباتك، وأنت تعرف جيدا أنك لو وضعت النجاح نصب عينيك فسوف تحققه. يقول أنتوني روبيينز: "الناس ليسوا كسالى ولكن ليس لديهم أهداف تحثهم على إنجاز شيء"، ويجدر بنا هنا أن نضيف أن هناك ديناميكية هائلة في هذه العملية فكلما امتلكت مصادر أكبر، وبالذات من العلم والمعرفة، وكما قيل: "الثروة الحقيقية هي ثروة العقل"، كلما زادت قوتك المعرفية، وكلما شعرت بقوة إمكانيات ومصادر أكبر كلما تمكنت من الخوض في هذه المصادر أكثر وتوفرت لك حالات أكثر قوة.
هناك دراسة جيدة تتناول ما يسمى (بالأعراض المائة للقرود) وفي كتابهما "تقلبات الحياة" الصادر في عام 1979 ذكر عالما البيولوجي لايال وواتسون ما حدث لأحد قطعان القرود في أحد الجزر القريبة من اليابان عند تقديم نوع جديد من الطعام إليها يشمل البطاطا المغطاة بالطين التي تم جنيها حديثا، ولأن طعامهم الذي اعتادوه لم يكن يتطلب أي إعداد لم تتردد القرود في تناول البطاطا المتسخة بالطين ثم قام أحد القرود بحل المشكلة عن طريق غسل البطاطا في أحد الأنهار ثم علم أمه وزملاءه غسل البطاطا قبل أكلها، بعد ذلك حدث شيء ملحوظ؛ فعندما عرفت مجموعة القرود –حوالي مائة– هذه الطريقة قامت مجموعات أخرى من القرود -التي ليس لها صلة بهذه القرود– بنفس الفعل لم تكن هناك أي وسيلة معلومة للاتصال بين هذه المجموعة من القرود والمجموعة الأصلية التي تعرفت على طريقة غسل البطاطا ولكن هذه الطريقة انتشرت بينها بشكل ما غير معلوم!!!.
وهذا في الحقيقة ليس غريبا فهناك حالات عديدة يتصرف فيها أفراد بتشابه ملحوظ دون وجود أي وسيلة بينهما للاتصال فأحيانا تطرأ لطبيب فكرة ما ثم تطرأ نفس هذه الفكرة لثلاثة أطباء آخرين في نفس الوقت كيف يحدث هذا؟ لا أحد يعرف بالضبط ولكن كثيرا من العلماء والباحثين -مثل الطبيب دافيد بوم وعالم البيولوجيا روبرت شيلدرك- يرون أن هناك معرفة جماعية تمكننا جميعا من أن نستقي منها، وأننا عندما نتوافق مع بعضنا البعض من خلال الاعتقادات والرؤية والفسيولوجيا فإننا نجد طريقا للدخول إلى إلى هذه المعرفة الجماعية.
إن أجسامنا وعقولنا وحالتنا كشوكة رنانة في تآلف مع هذا المستوى المرتفع من الوجود لذا فكلما كنت أكثر تناغما وتوافقاً كلما استطعت الخوض والاستقاء من هذه المعرفة وهذه الأحاسيس، فمثلما تأتي إلينا المعلومات من اللاوعي يمكنها أن تأتي إلينا من خارج أنفسنا لو كنا في حالة استعداد لتقبل هذه المعلومات.
ومفتاح هذه العملية هو معرفتك لماذا تريد؟ فالعقل اللاواعي يعطي المعلومات بشكل متواصل بالطريقة التي تحركنا في اتجاهات معينة وحتى على مستوى اللاوعي فإن العقل يحرف ويحذف ويعمم لذا فقبل أن يعمل العقل بفاعلية علينا أن ننمي إحساسنا بالنتائج التي نتوقع الوصول إليها ويسمي "ماكسويل مالتز" هذه العملية ب "الانضباط النفسي" في كتابه المعروف بنفس الاسم عندما لا يكون للعقل هدف محدد فإن طاقته تتشتت ويكون كالشخص الذي يمتلك أكبر وأحدث منشار ولكنه لا يعرف لماذا يقف في وسط الغابة؟!. أو ما هي الشجرة المناسبة ليستخدم المنشار في قطعها...
قصة "أي حاجة"
ولقد ذكرني هذا الكلام بقصة أحد أساتذتي بجامعة الإسكندرية، وذلك عندما ذهب إلى لندن في خمسينات القرن الماضي لعمل رسالة الدكتوراه في علم الأمراض، وكالعادة تم اختيار أستاذ معين بلندن للإشراف على أطروحته للدكتوراه في ذلك الوقت، وعند أول لقاء بينهما وبعد التعارف؛ سأله الأستاذ الإنجليزي قائلاً: في أي جزء من جسم الإنسان ترغب أن تكون رسالتك في الدكتوراه؟، وكعادة الطالب المصري "القنوع والمهذب!!" كانت إجابة أستاذي: في "أي حاجة" ترغب فيها أنت يا سيدي؟.
ورد الأستاذ بسرعة: أذهب لتقرأ عن الجديد في علم الأمراض ثم أحضر إلي بعد ثلاثة أشهر!!. وذهب أستاذي ليقرأ كما طلب منه الأستاذ الإنجليزي، ثم عاد إليه في الموعد المحدد. ثم سأله الأستاذ البريطاني نفس السؤال مرة أخرى: في أي جزء من جسم الإنسان ترغب في عمل رسالة الدكتوراه؟
فأجاب أستاذي: لو تفضلت أن تكون الدكتوراه عن "أي حاجة" في الجهاز الهضمي؟
وجاء رد الأستاذ سريعا أيضاً: أقرأ لمدة شهرين عن الجديد في الجهاز الهضمي، ثم أرجع إلي!!. في هذه المرة أحس أستاذي بالإحباط أيضاً بعد ذلك اللقاء البارد جداً مع أستاذه الجديد، ذلك اللقاء الذي لم يتعد ثلاث دقائق!!، والذي أحس أستاذي بعده بالحسرة والألم لأنه عبر البحار والمحيطات، وتحمل الغربة عن الأهل والأحباب ليسمعه هذا الأستاذ الإنجليزي المتعجرف تلك الكلمات القليلة!!!.
ولكن بالصدفة قابله أحد الزملاء من الأطباء المصريين الأكبر منه عمراً، وكان قد درس ببريطانيا لفترة طويلة، وبعد هذا اللقاء الحار غير المتوقع سأله هذا الصديق القديم عن الموضوع الذي اختاره لعمل أطروحته للدكتوراه، فحكى له أستاذي قصته منذ أن حضر من مصر منذ ثلاثة أشهر ونصف، وأن الأستاذ الإنجليزي يعطي له مواعيد بعيدة للقائه!!، ثم لا يتحدث معه إلا لدقائق معدودة، وكيف سينتهي من عمل الدكتوراه بهذا الشكل؟!، ووقتها المحدد هو ثلاث سنوات فقط؟!!، عندئذ رد عليه هذا الصديق القديم قائلاً: هنا في بريطانيا لابد أن تحدد لأستاذك ما الذي تريد عمله بالضبط، وبشرط أن تكون عارفاً إلى حد كبير الخطوات والطرق التي ستتبعها لإنجاز أطروحتك، لابد يا صديقي أن يكون هدفك واضحاً وضوح الشمس، ليس هذا فحسب بل يجب أن تعرف إمكاناتك وقدراتك جيداً، وإمكانات الجامعة التي تعمل فيها، ثم تعرف مراحل إنجاز البحث والطرق التي ستستخدمها ليتم بحثك في الوقت المناسب!!!، وهذه هي طريقة معيشتهم هنا في الأبحاث والمشاريع، بل في تخطيطهم لشئون حياتهم كلها، يا صديقي معظم الناس هنا يخططون لكل شيء ويعرفون جيداً ماذا يريدون في كل مرحلة من مراحل حياتهم!!، وهذا من أهم أسباب تقدمهم!.
وبعد أن تلقى أستاذي أهم درس من دروس حياته كلها عمليا على يد أستاذه البريطاني ونظرياً على لسان صديقه الطبيب المصري هرع إلى المكتبة وبدأ يقرأ عن قرحة المعدة، وآخر ما نشر عن ذلك من أبحاث في الكتب والدوريات العلمية الحديثة، وواتته فكرة دراسة طبقات الأنسجة المتكونة حول قرحة المعدة المزمنة، وبدأ يسأل في الجامعة عن إمكانية أخذ عينات من تلك الأنسجة المرضية أثناء إجراء بعض العمليات الجراحية لمرضى قرحة المعدة، والتي كانت شائعة في ذلك الوقت.
المهم أنه حضَّر طريقة بحثه بصورة كاملة، والعدد المتوقع للعينات التي يمكنه تجميعها في مدة عام، وطرق بحثه لتلك العينات الثمينة القيمة بالنسبة له كباحث، والتي سيجمعها من حوالي ثلاث مستشفيات يتم فيها جراحات لعلاج قرحة المعدة في ذلك الوقت بلندن، وقام بكتابة خطة بحث كاملة لمناقشتها مع أستاذه في الموعد المحدد. وفي الموعد المحدد كان اللقاء أكثر من رائع ومثمر مع أستاذه، والذي استمر حوالي ثلاث ساعات، ناقشه أستاذه خلالها في معظم الاحتمالات، وأجرى الأستاذ خلال هذا اللقاء عدة اتصالات تليفونية للاطمئنان على كيفية جمع العينات، وأجرى بعض التعديلات على طرق البحث، تمهيدا لعرضه على عد من الزملاء المتخصصين في موضوع البحث، ثم إدارة الجامعة للموافقة عليه في خلال أسبوعين على الأكثر!!.
لقد ذكرني موقف أستاذي هذا بالقول الجميل: "إن الله يساعد الذين يساعدون أنفسهم"، وأول خطوة لازمة لمساعدة نفسك هي معرفتك ماذا تريد؟؟؟!!. ولكن إياك إياك أن تقول: "أي حاجة".
وكما قيل أيضاً: "الإرادة هي نصف الطريق وسر النجاح"، والإرادة هنا ليست هي التصميم والعزم فقط بل هي معرفة تفاصيل ما تريد. وهذا هو مطلبي من كل شباب أمتنا، وبالذات لمن هم على مفترق طرق كطلاب الثانوية العامة، لا بد أن يعرف كل طالب منهم ماذا يريد؟!، وكيفية تحقيقه لهدف حياته الرئيسي ومستقبله؟!، وهل يتفق هذا الهدف مع المتاح له من إمكانات أم لا؟! ثم يأتي بعد ذلك الإصرار و المثابرة لتحقيق ذلك الهدف.
إن الاختلاف في قدرات البشر على الخوض والاستقاء من مصادرهم الشخصية يتأثر بشكل مباشر بأهدافهم التي يحددونها وقد ظهرت هذه النقطة جيدا في الدراسة التي أجريت على خريجي جامعة ييل في عام 1953؛ فقد سئل الخريجيون عما إذا كان لديهم أهداف واضحة محددة ومدونة في شكل خطط لتحقيق تلك الأهداف؟!، عندئذ أظهر ثلاثة في المائة فقط منهم أن لديهم أهدافاً محددة، ومرت الأعوام وأصبح هؤلاء من أصحاب الأهداف والخطط المدونة يمتلكون من الثروة والمال أكثر من مجموع ما كانت تمتلكه الأغلبية الباقية من دفعتهم (97%) مجتمعين. ومن الواضح أن هذه الدراسة تقيس النمو المادي فقط لدى البشر، لكن القائمين على إنجاز هذا البحث قد اكتشفوا أن مجالات القياس الأخرى كمستوى السعادة والفرح لدى تلك النسبة الضئيلة من الخريجين (3%) أكبر منها لدى نسبة الأغلبية (97% )، وهذه هي قوة تأثير و فائدة تحديد الأهداف.
ولله در الشاعر الذي يقول:
إن كان للمرءِ عزمٌ في إرادتِهِ فلا الطبيعةُ تُثنيه ولا القدرُ [الزهاوي]
أما شيخ الشعراء (المتنبي) فيقول:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها وتصغر في عين العظيم العظائم
وما أجمل ما قاله المتنبي في هذين البيتين اللذين جمعا فأوجزا، والشخص الذي يستوعبهما معناً واقتناعاً وعملا وإصراراً تكون له القدرة على قيادة الأمة إلى بر الأمان، بإذن الله..... فيهما أيضاً تفسير لما نحن فيه من ضعف وهوان، وذلك لأن أغلبنا حاليا من أهل الصغار والصغائر، وكل أهداف تلك الأغلبية وطموحاتها لا تتجاوز: طعام شهي وإشباع لشهوة الفرج ونومه على فراش ناعم وحب لمنصب تافه أو تعلق بسلطة زائفة، مع رصيد لا بأس به في البنك!!، والشخص منا في سبيل ذلك قد يبيع أهله ووالديه ووطنه بل قد يبيع نفسه وعقيدته، وهذا بالتأكيد هو الصغار بعينه، فكما نعلم أن كل تلك المطامح البشرية المادية إلى زوال، وأنها رزق محض قد يعطيه الله تعالى لمن يحب ولمن لا يحب على السواء، بدون سعة حيلة ولا ذكاء وبلا علم أو تقى أو عفاف!. أما العزائم والمكارم والعظائم فهي معاني جميلة غائبة عن أغلبية أبناء أمتنا في الوقت الراهن من أمثال العزة والكرامة وحب وحدة وتقدم الأمة ونهضتها لتلحق بركب الأمم الناهضة وغيرهم من المعاني الجميلة التي لا يستطيع الإتيان بها إلا العظماء وأهل العزم من الرجال!!.
ووسيلتنا إلى أول درجات العلى والمجد هي أن نتعلم كيف نضع الأهداف ونحقق الأحلام والرغبات؟؟!، وكيف نصنع في أذهاننا ماذا نريد؟ وكيف نحصل عليه؟؟!، هل حاولت من قبل أن ترتب لعبة الصور المتقطعة دون أن ترى الصورة النهائية التي تمثلها اللعبة؟ هذا بالضبط ما يحدث عندما تحاول أن ترتب حياتك دون معرفة النتائج. وعندما تعرف النتائج فإنك بذلك تعطي عقلك صورة واضحة عن نوعية المعلومات التي يستفبلها من الجهاز العصبي إنك تعطيه الرسائل الواضحة التي يحتاجها لكي يصبح فاعلا ومؤثرا، وتأكد من أن: "الفوز يبدأ مع النجاح".
وهناك أناس يبدون دائما مرتبكين حين يمشون في طريق، ثم يتركونه ويتجهون إلى طريق آخر، يجربون منه شيئاً يسيراً، ثم يتجهون إلى غيره، يسلكون طريقاً ثم يتجهون إلى الاتجاه المضاد!!؛ ومشكلتهم في الواقع بسيطة؛ وهي أنهم لا يعرفون ماذا يريدون؟! وباختصار لا يمكنك التصويب تجاه هدف ما إذا لم تكن تعرف أين هو بالضبط!. وهذا يذكرنا بقصة "أليس في بلاد العجائب"، عندما وقفت على مفترق طرق تسأل الحكيم قائلة: في أي الطرق أسير؟ فقال لها : إلى أي مكان تريدين الذهاب؟، فقالت: لا أدري!.
عندئذ رد عليها قائلاً: إذا كنت لا تعرفين إلى أين تريدين الذهاب فكل الطرق عندئذ تتشابه!!.
تخيل أخي العزيز إذا لم يكن لك هدف تسعى لتحقيقه في الحياة فعندئذ تتساوى الطرق؛ فطريق السلامة يشبه طريق الندامة أو يشبه طريق من يذهب ولا يعود!!!. إنها حقيقة مرة وفكرة مؤلمة ولكنها أيضاً واقعاً كارثياً نعيش فيه، ولا نجاة من هذا الكابوس المزعج إلا بمعرفة الهدف الذي نعيش من أجله ونريد تحقيقه مع اختيارنا الطريق المناسب لننجوا إلى بر الأمان.
إن ما تحتاج أن تفعله في هذا الفصل هو أن تحلم ولكن من الضروري جدا أن تحلم بطريقة مركزة عليك أن تجلس ومعك ورقة وقلم وتعتبر هذا الفصل ورشة عمل ذات خطوات عمل محددة لوضع وتحديد الأهداف.
اجلس في مكان تشعر فيه بالراحة كمكتبك المفضل أو إلى منضدة بركن فيه شعاع شمس، مكان تجد فيه تغذية روحية ودفئا، خطط لقضاء ساعة أو أكثر للتعرف على ما تتوقعه لنفسك ماذا تتوقع أن تكون؟ وماذا ستفعل؟ وفيما ستساهم؟ وماذا سترى؟وماذا ستبدع؟ يمكن أن تكون هذه الساعة أحلى ساعة في حياتك كلها، وسوف تتعلم وضع الأهداف وتحديد النتائج، وسوف تضع خريطة للطرق التي تريد أن تسير عليها في رحلة حياتك وسوف تتصور المكان الذي تريد الذهاب إليه وكيف تستطيع الوصول إليه، ولكن دعني أضع أمامك تحذيرا واحدا وهو: لا تضع حدودا أو قيودا على ما يمكن تحقيقه، وبالطبع هذا لا يعني تخليك عن ذكائك وإحساسك؛ فلو أن طولك لا يتجاوز متراً ونصفاً فلا يعقل أن تقرر أنك ستفوز مع نهائي فريق كرة السلة الأوليمبي ببلدك في العام المقبل!!.
والأهم من ذلك أنك سوف تستقي طاقتك من أفضل مكان يمكنك استقاؤها منه وعند النظر إلى هذه العملية بذكاء أكثر فليس هناك حدود للنتائج المتاحة لك فالأهداف المحدودة المقيدة تؤدي إلى نتائج مقيدة؛ لذا كن متفتحا فكل ما تحتاج إليه هو تقريرك لما تريد لأن هذه الطريقة هي الوحيدة التي تجعلك تتوقع ماذا تريد.
وعليك باتباع القواعد الخمس التالية في صياغة أهدافك:
1 – قم بصياغة هدفك بكلمات واضحة وحدد ماذا تريد أن يحدث فغالبا يذكر الناس ما يريدون حدوثه.
2 – كن دقيقا بقدر الإمكان في التعرف على مواصفات الهدف الذي تريده؟ أشرك كل حواسك في وصف النتائج والأهداف التي تريدها، وكلما كانت مواصفاتك دقيقة كلما استطاع عقلك تحقيق رغباتك أيضا تأكد من وضع تاريخ محدد لإتمام وتحقيق هذه الأهداف.
3 – لتكن إجراءاتك واضحة ولتعرف ماذا سيكون شعورك مستقبلا؟ وكيف ستبدو؟ وماذا سترى؟ وماذا ستسمع في عالمك الخارجي عندما تحقق أهدافك؟ وإذا لم تكن تعرف تلك النتائج غير المتوقعة فحاول أن تضع الاحتمالات الممكنة لتلك النتائج.
لكن ربما تكون قد حققت أهدافك بالفعل دون أن تشعر!، بل أحياناً قد تشعر كما لو كنت خاسرا بينما كان فوزك حقيقةً ساحقا في الحياة!!. وأذكر تدليلا على ذلك قصة حياة الفنان العالمي "فان جوخ"، والذي ظل يرسم أجمل اللوحات حتى اللحظة الأخيرة من حياته دون أن يؤمن بجمال لوحاته أحد في حياته، ولم يبع منها لوحة واحدة!؛ وبعد وفاته أصبحت كل لوحة من لوحاته تُباع بالملايين من الدولارات، والأكثر من ذلك أن تلك اللوحات أصبحت مدرسة من مدارس فنون الرسم العالمي يدرسه أي طالب جامعي لفنون الرسم والتصوير بالأكاديميات العلمية المختلفة.
4 – تحكم في العملية فيجب أن تبدأ أهدافك وتبقى بيدك أنت، ولا يجب أن يتوقف تحقيقها على أناس آخرين يغيرون أنفسهم من أجلك لكي تكون سعيدا، وتأكد أن أهدافك تعكس أشياء يمكنك التأثير عليها بشكل مباشر. ولا تنسى أبداً قول ألفريد نوبل: "أسوأ من الفاشل من لا يحاول النجاح".
5 – اثبت أن أهدافك سليمة ومقبولة، وضع في اعتبارك التأثير المستقبلي لأهدافك الحالية على نفسك وعلى أهلك وعلى مجتمعك وعلى أمتك، لذا يجب أن يكون هدفك مفيدا لك وللآخرين. وهنا لا تنسى الحكمة القائلة: "تنسيق المعلومات هو العلم، وتنسيق الحياة هو الحكمة".
ويتبع >>>>>>>>>>> تحديد الهدف ودليل تحقيقه