الفصل العاشر
نحن نعاني على الأقل في خمس دوائر من العلاقات في مجتمعنا المدني، وذلك عندما لا نطلب ما نريد، وحيث ندفع مساحة ممتدة من الأثمان مقابل صمتنا.
دائرة الغرباء:
هؤلاء الأشخاص يعنون القليل بالنسبة لنا، ومن أمثلتهم: المحاسب في المتجر الكبير وسط المدينة، والنادلة حين تناول العشاء في مدينة نائية، والشخص الذي نمر به في الشارع، وكأناس مهذبين نعاملهم بكياسة ونتوقع المثل في المقابل، وأننا لا نخبرهم عما نريد، وعادة لا تكون هناك مشكلة إذا حاولوا أن يأخذوا أشياء خاصة بنا، ومن ناحية ثانية إذا احتجنا شيئا ما منهم، ولا نتكلم بوضوح أمامهم حين نفقد أشياء نستحقها أو نكون مؤهلين لها.
دائرة أصحاب الحرف:
نحن نعمل تجارة مع هؤلاء الناس الآن وغدا، مثل البائع في دكان التنظيف، والجزار والسماك، أو السباك، وحلاق الشعر، وسائق السيارة، والميكانيكي أو الخضري، فاهتمامنا الأساسي لا يكون لمعرفتهم جيدا؛ ولكن لنحظى بخدمتهم جيدا، نعم نحن سعداء لكوننا ظرفاء مع البائعة في دكان التنظيف، ولكن لا نريد أن نسمع قصة حياتها، أو نخبرها بقصتنا، فنحن نريد معاطفنا منظفة جيدا ومكوية فقط؛ وذلك في مقابل أجر معقول ندفعه، فإذا تعاملنا مع هؤلاء الناس باحترام، فإننا نحصل على ما نريده دائما.
دائرة أصحاب المناصب الهامة:
هم رؤساؤنا، وزملاء العمل، والزبائن، وأشخاص يصعب التعامل معهم، وأصحاب السلطة، والأطباء، والمحامون، وأساتذة الجامعة، وضباط الأمن..... إلخ فربما نكون على قائمة الأسماء الأساسية معهم، ولكن علاقتنا تميل لأن تكون أكثر رسمية عن كونها شخصية، فقد يكونون في مراكز ومناصب تمكنهم من استغلالنا وعلى أساس قانوني!. وإذا أساءوا معاملاتنا فإننا كثيراً ما نتحمل تبعات خطيرة؛ لذلك لدينا الكثير لنناله بواسطة التحدث مع هؤلاء الأشخاص بوضوح تام لنحصل على ما نريده منهم.
دائرة الأصدقاء:
يشمل ميدان التنافس هذا ليس فقط الأصدقاء، ولكن الجيران المقربين، والمعارف الشخصية، ورفقاء النادي، وكل الذين نريد أن نعرفهم بشكل أفضل، وعندما لا نريد أن نخبرهم برغباتنا نخبرهم وحسب على المستوى السطحي لتحويل المزاح والمجاملات، وعندما نريد إخبارهم عما نريد، نشعر بأننا أقرب إليهم وبشكل وثيق.
دائرة الأصدقاء الحميمين:
تشمل دائرة أصدقائنا الحميمين العمة المفضلة أو الخالة أو الأخ أو الأخت أو الوالدين أو الزوج، أو الزوجة، أو صديق عزيز، فنحن بديهياً نزيل عوائقنا أمام هؤلاء الناس، ونربط ذهنيا بين الأمانة المشتركة المتبادلة والوفاء والثقة. فنخبرهم إلى أي درجة يعنون هم لنا؟!. ومن منطلق هذه التبادلات يلازمنا رباط عميق بمستوى واحد هو: نحن نريدهم أن يعرفوا كل شيء عنا، لكن كلما كانت رغباتنا أكثر شدة، ولاسيما إذا كانت غير تقليدية، كلما زادت صعوبة التعبير عنها، وفي هذه الدائرة تصبح نتائج صمتنا بالغة القسوة والألم.
وفي هذا النطاق تكون عواقب صمتنا أكثر إيلاما وأكثر قسوة، وفي أوقاتنا المفضلة نعرف أن الأشخاص في هذه الأوساط (وخاصة الثلاثة أوساط الأخيرة) يقومون بمنحنا بعض الأشياء، وهذا لا يعني أن ما نريده شيئا خاطئاً، ولكن ولعدة أسباب فإننا نستمر في عدم التحدث عما نريد.
هل نعتقد أن ما نطلبه غير مناسب اجتماعيا؟!
علمنا آباؤنا أن الأشخاص المهذبين لا يتحدثون عن متطلبات أنفسهم؛ ولهذا فمن المفترض علينا أن نكون على استعداد دائم لمعرفة اهتمامات الآخرين وليس اهتماماتنا، وبالطبع فنحن بحاجة فقط لقول كلمة "من فضلك"، إذا كان الشيء الذي نريده مقبولاً اجتماعياً، أو تمت الموافقة عليه من قبل، أو وعدنا الحصول عليه، ولكنهم في الحقيقة لم يعلمونا أبداً كيف نسأل بصراحة عن شيء لم تتم الموافقة عليه من قبل؟!.
لا نحب أن نظهر بمظهر الضعيف
غالبا ما يقول الآباء المهذبون لأبنائهم البالغين: أنهم أقوياء وليسوا بحاجة لمساعدة من الآخرين، ولذلك فمعظم الأشخاص المهذبين بيننا (وخصوصا نحن الرجال) يميلون للتفكير بأن الحاجة لأشياء من الآخرين يعتبر علامة من علامات الضعف، ولقد اعتقدنا خطأ أن الاستقلالية وليس الاعتماد على الآخرين، تعتبر إحدى صفات البالغين!.
قد نشعر بالقلق بخصوص مشروعية مطالبنا
قد يكون تعرضنا للتوبيخ ونحن أطفال –لأننا رغبنا في الحصول على شيء ما- هو ما جعلنا نشعر بالخجل مما طلبناه، وكان ذلك من أسلوب المعاملة الذي أدى إلى الشعور بالتقليل من قيمة أنفسنا. وبعد أن أصبحنا بالغين الآن غالبا ما نشعر –سواء أكان هذا الشعور صحيحا أم خطأ– بأن رغباتنا زائدة عن الحد!، أو مسرفة أو مضرة أو غير مناسبة أو ببساطة نعتبرها أشياء ليس لنا الحق في توقعها!؛ خشية من الآخرين.
بجانب الخطأ السابق نحن بين خطأين (محاولة الوصول إلى الكمال، وتحمل العبء الزائد)، وتصبح عادة عدم التعبير عما نريده عادة مستمرة مدى الحياة، حيث تنشأ من الهجران والإذلال؛ وذلك في أثناء فترة الطفولة حيث يُحفر هذان الخطآن في عقلنا المعقد، وتستمر تلك الأخطاء في التطور معنا مدى الحياة، وهم يقومون باستمرار بتنبيهنا للتهديد الاجتماعي؛ وهو الرفض المحتمل من الأشخاص المهمين بالنسبة لنا.
منذ أيام طفولتنا وهذا الخوف يمنعنا من المخاطرة بأمننا وعلاقاتنا وما نكبته بداخلنا (والذي نعتز به لأبعد الحدود، فنحن نعتقد أنه ساعدنا في البقاء على قيد الحياة!)، ولكن لسوء الحظ، عُلِمنا سلفا أن نبالغ في الحماية، وأن نتجنب المخاطرة والمغامرة دائماً، ولذلك أصبحت قدراتنا على المخاطرة في فترة البلوغ غير كاملة النمو وضامرة!، نعم فأنت عندما تعرف أنك قد قُُبِلت بدون شرط في مركز الحياة وتتقبل تلك الأخطاء فأنت بذلك تتوخى ضربة قاصمة من الخوف!، ولحماية النفس المبالغ فيه فأنت توقظ كل حيلك الدفاعية غير الناضجة والعصابية، ولكن بالرغم من كل تلك الحيل فقد لا ينتهي الخوف بالكامل من داخلك!، وقد يمنعك ذلك من إخبار الآخرين بما تريد!.
والكثير من أبناء أمتنا يعانون من تلك الأخطاء، وكثيرون منهم ينشدون الكمال (ولكن في خيالهم فقط)، وفي نفس الوقت يخافون من التعبير عما يريدون، ويحاول البعض منهم أن يتجملوا أمام الآخرين؛ فيظهروا ما هو فوق طاقتهم لنيل الرضا من طبقة الرؤساء، ومن أبناء مجتمعاتنا!.
والكثير من شباب أمتنا يَبتلِعُون مشاعرَهم بداخلهم، وذلك بدون أن يُبدوا آراءهم، لذا هم يَبْقون منزعجين وخائفين، بل قد يُصبِحون مكتئبين، ولا يستطيعون إلا أن يُندِبوا حظوظَهم، ولا يلعنون من يظلمونهم حتى في داخل أنفسهم، وفي قليل من الأحيان قد يتفوهون بما يشعرون به من ظلم للمقربين منهم من الثقات!،ولكنهم أبداً لا يواجهون من يظلمونهم، ولا يعلنون حتى عن تبرمهم أو غضبهم لما يقع عليهم من ظلم وعدوان، وتزداد المشكلة سوءاً عندما يلقون بكل اللوم على الآخرين!، ويبرؤون أنفسهم وساحتهم من أي مسئولية عما يعانون منه من استضعاف وعدم تأكيد للذات!، وتصل المشكلة إلى غايتها إذا أصبح ذلك الهوان وعدم تأكيد الذات سلوكا ووصايا تُورث من الآباء والأمهات إلى الأبناء!!.
والآن فلنراجع معاً الموروث الشعبي الذي تورثه بعض مجتمعاتنا لأبنائها، ولمعرفة ذلك هيا بنا ننظر إلى أمثالنا الشعبية:
"من خاف سلم" مثل مصري.
"اللي يتزوج أمي أقول له يا عمي"، مثل مصري.
"اليد اللي ما تقدر تقطعها، بوسها"، مثل مصري.
" لف سنة ولا تخطي قنا"، مثل مصري.
"اللي ببلاش، كثر منه"، مثل مصري.
"إكسر للبنت ضلع يطلع لها أربعة وعشرين"، مثل مصري.
وغيرهم من الأمثال الشعبية، والتي تدعوا إلى الاستسلام والخنوع والسلبية واستغلال الغير وتجنب الشجاعة والإقدام والتعدي على الضعيف مع مداهنة الظالمين لنا والمتعدين على حقوقنا!، دون أن نُبدي حتى مشاعر التذمر والغضب نحوهم. لكل هذا يعتقدُ علماء النفس والاجتماع أن هناك طريقاً أفضل لحل تلك المشاكل المتراكمة، طريقاً يَدْعو للمساواةِ والعدل، وأسلوباً يَطلُب من كل شخص المطالبة بحقه والإصرار عليه، وقديما قالوا: "لا يضيع حق من ورائه مُطالب".
وعلى الرغم من أنه ليس هناك "طريق كامل واحد" لمُعَالَجَة مثل هذه الأحداثِ، لكن هناك بَعْض المبادئِ الأساسيةِ التي ستُساعدك على كَسْب الثقةِ والتأثيرِ في عِلاقاتِكَ مَع الآخرين. وسَتَتعلّمُ تلك المبادئِ كلما قَرأتَ في هذا الكتابِ. أنت سَتَكتشفُ كَيفَ تُطوّرُ وتَستعملُ الوسائلَ العادلة والمنصفة، وكذلك كيف تتعايش كل الأطراف في احترام متبادل.
ليس من الضروري عليك أن تُخيف الآخرين لكي يَتجنبوا التعدي على حقوقك أو ظلمك!، كما أنه ليس من الضروري أن تَسْمح لنفسك بأن تُدْفَعَ مِن قِبل أي شخص آخر لفعل شيء لا ترغب في عمله!، عليك أن تتَعَلّم الحزم وتأكيد الذات ولكن بصورة لبقةً، كما يُمْكِنك أَن تَتعاملَ مع من يكدّر صفوك مباشرة وبحزم، على أن يبقى كل منكما على نفس المستوى الإنساني، ودون الإحساس بالدونية والنقص أو التوتر والقلق أو الكدر من جانبك.
شيء جميل جدا من أجلك:
هل تُصاب بالدهشة لأنك تفشل بصورة اعتيادية في التعبير عما تريد من الآخرين؟!، ولأن هذا السلوك يؤدي إلى صورة معاكسة لما تتوقع، ربما تتذكر عندما لم تخبر شخصا ما عما أردت، ولكن قد لا ينمو لإدراكك أبدا أنك تفعل ذلك باستمرار، وإن ذلك خطأ شديد، وبما إنك تريد البدء في التعبير عن رغباتك للآخرين بعد أن تقتنع بأن صمتك يُعد خطأ؛ لذا عليك أن تتفحص الأسباب العديدة وراء كونك صامتا ولا تطالب أو لا تعبر عما تريد!.
لماذا يعتبر صمتنا خطأ؟!
إنه يجعلنا غير مُمَيزين كبشر؛ فعندما نُعَبِّر عن رغباتنا فإننا نُظهِر للآخرين شخصياتنا الخارجية فقط، ونُظهِر صوراً عن أنفسنا نخططها لتكون مقبولة اجتماعياً، ولذلك فنحن نتواجد بالنسبة لهم بمقدار ضئيل بعض الشيء، وهم يعرفوننا فقط بصورة جزئية، وللسخرية: نبقى صامتين ولا نتكلم عما نريد رغبة منا في عدم إيذاء علاقاتنا بالآخرين، ولكن صمتنا هذا يجعل علاقاتنا سطحية.
وهذا الصمت يدفعنا أيضا إلى ألا نستمر في التمسك باهتماماتنا المفضلة، مع العلم بأن الحاجة الأساسية لنا كبشر هي إشباع هذه الرغبات التي تساعدنا على الوصول للكمال، والتي تكرم قيمنا كأشخاص مُكرّمين من الله عز وجل، وتساعدنا كمخلوقات اجتماعية على المشاركة بصورة مناسبة للصالح العام، ولذلك فالتزامنا الصمت تجاه حقوقنا المشروعة يُعتبَر خيانة لنزاهتنا وقدرتنا على الحياة بصورة متكاملة.
وإلى هنا فلابد من وقفة، فعندما راجع صديق لي هذا الكلام أعترض عليه بشدة وبالذات بالنسبة لمطالبة الأشخاص بحقوقهم والأمثال الشعبية التي ذكرتها، بحجة أن هؤلاء أمثال "انبطاحية سلبية"!، وبدلا من ذلك عليَّ أن أتبنى النواحي الإيجابية فقط لدى أمتنا، سواء في الماضي أو الحاضر أو المستقبل، وذلك من باب غرس الأمل في نفوس أبناء الأمة وتجنب اليأس والإحساس بالضياع، والذي عشته كما عاشه غيري أثناء الغزو الصهيوني لأفغانستان والعراق والذي كان مصاحبا للانتفاضة الفلسطينية بالأراضي المحتلة، ولقد أعجبني التعبير الذي استخدمه صديقي عن بعض أمثالنا الشعبية بأنها: "أمثال انبطاحية سلبية"!!.
كما أن وجهة نظره جديرة بالتقدير والاحترام، فبعد أن كان هذا الكلام مكتوبا في الفصل الأول نقلته إلى هنا، وذلك حتى لا يكون أول القصيدة........ "كما يُقال"، كما كان لصديقي تعليق بأن الأمثال "الانبطاحية" منتشرة في لغات كل الشعوب، وليس بين شعوب أمتنا فقط!، ولكنني راجعت بعض الأمثال الإنجليزية المعروفة فلم أجد ازدياداً في معدل انتشار تلك الأمثال الانبطاحية في لغتهم كما هي منتشرة بين الشعوب المهزومة نفسيا في العالم!.
والعبد لله متفائل بالمستقبل رغم قتامة الواقع، ولكن لن ينصلح مستقبلنا إلا إذا بدأنا في الاعتراف بعيوبنا، ونقاط ضعفنا، وانتقدنا تلك العيوب في أنفسنا وبصراحة وبوضوح تام، وبقسوة أحيانا، وذلك ليس من باب اليأس والضياع أو جلد الذات كما يقول البعض، ولكن من باب الرغبة الحقيقية الصادقة في تغيير واقعنا؛ وبالتالي نستطيع أن نُعدِّل من أحوالنا في المستقبل إلى الأفضل. ومن المعروف في الطب أن التشخيص الصحيح لأي مرض يمثل أكثر من ستين بالمائة من العلاج، ونحن كأمة واحدة بحاجة إلى تشخيص صحيح لأمراض أمتنا قبل أن نتماثل للشفاء من تلك الأمراض!.
أما التغيير للأفضل فهو قادم –بإذن الله- لا محالة، وإن كنا نرغب في سرعة هذا التغيير؛ وذلك حتى نستطيع أن ندافع عن بلادنا وشعوبنا، وليرى جيلنا الحالي أو على الأقل أبنائنا وأحفادنا عزا وكرامة لم يراهما جيلنا الحالي إلا لمُاماً في سنوات عيشه العصيبة؛ فيكون لأبناء أمتنا كرامة وإرادة عند اتخاذهم لقراراتهم المصيرية.
وهذه النهضة المنتظرة واقع سيحدث لا شك فيه، قد تكون في كل بلدان العالم الإسلامي المترامي الأطراف أو في بعضها، قد تكون في بعض بلادنا العربية وهذا ما نتمناه ونرجوه، وقد تكون بداية تلك النهضة في شبه القارة الهندية!، أو قد تكون في دول جنوب شرق آسيا!، أو قد تكون في بلدان ستعتنق شعوبها الإسلام بأعداد أكبر في المستقبل القريب؛ ومن ثم تزداد تلك الشعوب قوة بهذا الدين كما قوي به أسلافنا، وذلك لأن الفاحص لتاريخ هذا الدين عبر أربعة عشر قرنا من الزمان يلاحظ أنه ما من شعب تمسك به وبروح أحكامه العملية السماوية إلا وانتصر وساد وقاد؛ تمسك به الصحابة والتابعين ففتحوا بعقيدتهم الراسخة معظم بلدان المشرق ووصلوا حتى أسبانيا والبرتغال في الغرب، وتمسك بهذا الدين الأتراك فقادوا وسادوا قرونا عديدة، وتمسك به نور الدين محمود ومن بعده صلاح الدين الأيوبي الكردي فهزم الصليبيين واسترد منهم بيت المقدس، وتمسك به أهل مصر وحكامهم من المماليك فهزموا التتار هزيمة منكرة في عين جالوت.
وحتى أحفاد -السَّفَّاحين جنكيز خان وهولاكو- حينما أسلموا خضعت لهم شبه القارة الهندية، وعملوا على نشر الإسلام دينهم الجديد، الذي اعتنقوه بعد احتكاكهم بالمسلمين في البلدان الإسلامية التي غزوها، وبعد أن كانوا من المُدمِّرين للحضارات الإنسانية أصبحوا من بناة الحضارة!، والدليل على ذلك ما خلفوه من أبنية ومساجد وأضرحة موجودة حتى الآن، ويكفي منها ضريح تاج محل بالهند، والذي بناه شاه جيهان تخليدا لذكرى زوجته المتوفاة ممتاز محل، والذي يُعتبَر من عجائب الدنيا السبع.
وكذلك ما قام به العثمانيون على يد الشاب الدَِّين الطموح السلطان محمد الفاتح والذي حقق نصف النبوءة في الحديث النبوي الصحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص ففتح المدينة الحصينة المنيعة "القسطنطينية"، وأحيت دولتهم العثمانية الخلافة الإسلامية لمدة أربعة قرون، ونشروا الإسلام في دول البلقان، وطرقت جيوشهم أبواب النمسا. أما نصف النبوءة الثاني والذي لم يتحقق بعد فهو فتح روما، وما ينطق صلى الله عليه و سلم عن الهوى، وهذا الحديث يعطينا الأمل، ويزيد من تفاؤلنا في مستقبل مشرق لأبناء الأمة الإسلامية.
ونص هذا الحديث وإسناده هو: روى الإمام أحمد في مسنده عن أبي قَََبيل قال: كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاص وسُئل: أيُّ المدينتين تُفتح أولا: القسطنطينية أو رومية؟ فدعا عبد الله بصندوق حَلََق، قال: فأخرج منه كتابا، قال: فقال عبد الله: بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتُب، إذ سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيُ المدينتين تُفتح أوَّلاً: قسطنطينية أو رومية؟ فقال "مدينة هِرَقل تُفتح أوًّلاً!" (يقصد النبي -صلى الله عليه وسلم- مدينة القسطنطينية، والتي كانت عاصمة هرقل الروم إلى أن فتحها محمد الفاتح وسُميت إسطنبول بعد ذلك). وهذا الحديث رقم 6645 بمسند الإمام أحمد، وقال الشيخ شاكر: إسناده صحيح، وأورده الهيثمي في المجمع 6/219، وذكره الألباني في سلسلته الصحيحة برقم 4.
وقد يكون هذا الفتح عسكريا كما كان فتح القسطنطينية في عام 1453 م!، أو قد يكون هذا الفتح بانتشار الإسلام في أوروبا والغرب!، و ذلك كما كان صلح الحديبية فتحا على المسلمين، لأن قبائل جزيرة العرب دخلت في دين الله أفواجا بعد صلح النبي صلى الله عليه وسلم في الحديبية مع قريش في العام السادس من الهجرة النبوية الشريفة.
ويتبع >>>>>>>>>>> عبر عما تريد