دعوة النبي صحابته للحياء من الله
الفصل الحادي عشر
عندما نتعرف على مصدر الشعور بالخجل وعلى الرسائل الضمنية التي تأتي معه، سنجد المعلومات التي نتلقاها عادة سخيفة وترتبط بشكل واضح بالشخص الذي يصدرها، وعندما نكتشف ما قيل تماما فإننا سنتمكن من التعرف عليه ونعيد الشعور بالمسئولية تجاهه. ونعيد تشكيل وتأكيد حقيقة شخصيتنا. إن التخلص من مشاعر الخجل السلبية التي عادة ما تكون صامتة ومعوقة لحركة الإنسان، قد يُخِّلصنا من الخوف والغضب اللذين يضعاننا في علاقات شخصية غير صحية كما سنعمل على مواصلة العمل لتحقيق الأحلام والآمال في الحب.
على صعيد آخر فإن قيامنا بتحويل انتباهنا، أو باتهام الآخرين، أو بتوجيه عبارات جارحة إليهم أو إسقاط مشاعرنا عليهم تعتبر دلائل على أننا لا نتعامل مع مشاعر الخجل بطريقة سليمة، أما إذا اعترفنا بوجود مشاعر خجل فإننا سنغامر باكتشاف شيء جديد، وسنواجه مخاوفنا وسنتمكن من اكتشاف الحقيقة، وإذا قمنا بتحرير مشاعر الخجل بتمهل -وبمساندة الآخرين- سيمكننا ذلك من اكتشاف حقيقة شخصيتنا، وسيزيد من ثقتنا بأنفسنا.
عليك أن تحب نفسك فوق كل شيء؛ لكي تحب الناس:
يقول وليام شكسبير: "يجب أن تكون صادقا مع نفسك، وسوف تتبع ذلك كتتابع الليل والنهار، إنك لن تستطيع أن تخدع أحدا".
حب لأخيك ما تحب لنفسك، إن المشكلة لدى العديد من المهتمين بشئون غيرهم هي أنهم يقومون بذلك فقط، الأسوأ من ذلك أن معظمنا لم يحلم بحب ومعاملة الآخرين مثلما نحب ونعامل أنفسنا، فإننا لا نجرؤ على ذلك. كما أنه في الأغلب لن يسمح لنا الآخرون بذلك، ومعظم الذين يعانون الاهتمام المرضي بشئون الغير يعانون كذلك من الكرب الملازم لهم وشعورهم بعدم أهميتهم!، إن هؤلاء لا يكنون شعوراً جيداً لأنفسهم، ولا يحبون أنفسهم، ولا حتى يفكرون في ذلك، وبالنسبة للبعض فإن إحساسهم بعدم أهميتهم هو بخس لقيمتهم، فهم لا يشعرون بأنهم لا يحبون أنفسهم فقط ولكنهم يكرهونها أيضاً.
إنهم لا يحبون الصورة التي يبدون عليها، كما أنهم لا يتحملون شكل أجسامهم ويعتقدون أنهم أغبياء وغير أكفاء وغير موهوبين، وفي كثير من الأحيان قد يشعرون أنهم غير محبوبين. كما يعتقدون أن أفكارهم ومشاعرهم خاطئة وغير مناسبة. إنهم عندئذ يؤمنون بأنهم غير مهمين، وحتى إذا كانت مشاعرهم غير خاطئة وصادقة فإنها غير مهمة!. كما أنهم مقتنعون بأن احتياجاتهم غير مهمة، ويجعلون الآخرين يخجلون من رغباتهم وخططهم.
وهؤلاء قد يعتقدون أنهم أقل قيمة من بقية العالم من حولهم، بل ومختلفين عنهم. يعني ذلك أنهم ليسوا متميزين بل شاذين ومختلفين بشكلٍ غير مقبول!، إنهم لا يتعاونون مع أنفسهم أبدا، ولا هم ينظرون كذلك إلى أنفسهم من خلال نظارات وردية، ولكن من خلال نظارات سوداء ورمادية.
إن أحد أشكال عذاب النفس المفضلة لديهم هي الحيرة بين شيئين للقيام بهما، وإنهم قد يتخذون قرارا لعمل شيء واحد منهما أولا، وفي اللحظة التي يبدءون فيها هذا العمل يقولون: "كان يجب أن نقوم بالعمل الآخر". لذا فإنهم يقومون بتحويل اتجاههم و يبدءون في العمل الآخر الأقل أهمية!، وقد يتعلقون غالبا بتنفيذ العمل الأقل أهمية على حساب العمل الأكثر أهمية!، ثم يعودون للحديث مع أنفسهم مرة أخرى، ويقولون نفس ما قالوه في السابق!، وهكذا في الكثير من المواقف التي قد يتعرضون لها.
يعتقد البعض من هؤلاء أنهم قد قاموا بعمل أخطاء بشعة؛ حتى أن بعضهم قد يتوقعون أن أحداً ممن حولهم لن يسامحهم أبداً، والبعض منهم يعتقدون أن حياتهم تعد خطأ، والعديد منهم يعتقد أن كل شيء يقومون به هو خطأ، والقليل فقط يعتقد أنهم لا يستطيعون عمل شيءٍ ما صحيح، لكن في نفس الوقت فإنهم قد يطلبون الكمال من أنفسهم، إن هؤلاء قد يضعون أنفسهم في مواقف صعبة، ثم يتساءلون لماذا لا نستطيع الخروج من هذه المواقف.
إن الاهتمام المرضي بشئون الغير مثله مثل جميع مناحي الحياة الأخرى مرتبط بكل شيء، وأي شيء يؤدي إلى الآخر، في هذه الحالة فإن عدم شعورهم بأهميتهم مرتبط بما يقومون بعمله، أو ما لا يقومون بعمله ويؤدي إلى معظم مشاكلهم!!. تقول الحكمة: "جنب كرامتك اللئام، فإنك إن أحسنت إليهم لم يشكروا وإن نزلت بهم شدة لم يصبروا".
لا يوجد أحد يحب أن يستمتع بوقته معنا، ونحن نعتقد بأنه لا بد أن نقوم بعمل شيء للناس لكي نحصل على صداقتهم ونحافظ عليها، إن معظم المواقف الدفاعية التي نراها في الأشخاص المهتمين بغيرهم تنتج عن اعتقادهم بأنه لا يجب انتقادهم، وذلك لأنهم لا يشعرون بأهمية أنفسهم، لذا فهم يشعرون بأن أي هجوم عليهم سيعرضهم للخطر. إنهم لا يشعرون شعوراً جيداً تجاه أنفسهم، لذلك فنحن جميعا لسنا في حاجة كي نكون مثاليين أمام الآخرين، لأننا بشر والبشر خطاءون، ولذا لا يجب علينا أن نخجل من أخطائنا أمام الآخرين!!، ولماذا لا نسمح للآخرين بأن يخبروننا بأننا قد قمنا بارتكاب أخطاء؟!!؛ ألسنا بشراً؟!، أم نحن ملائكة لا نُخطِأ؟! بالطبع نحن بشر، ولا غضاضة في أنفسنا على الإطلاق من أن نخطأ، وبالذات الخطأ غير المتعمد، بل علينا أن ندرك جميعا أن أحد أسباب انتقادنا للآخرين هو انتقادنا واستصغارنا واحتقارنا لأنفسنا.
عندما يعتقد البعض أن إحساسهم بعدم قيمة أنفسهم، أو كراهيتهم لأنفسهم مرتبط بجميع سمات الاهتمام المرضي بشئون الغير، الخاصة بهم مثل: التضحية ورفض الاستمتاع بالحياة والإفراط في العمل والبقاء منشغلين حتى لا نستطيع أن نستمتع بالحياة والمثالية وعدم السماح لأنفسهم بأن يستمتعوا بالرضا عما يقومون به، وكذلك الشعور المتضخم بالذنب والشك بأنفسهم، مع امتناعهم عن الاقتراب من الناس وكأنهم يهربون من العلاقات مع البشر، والتمسك بالعلاقات المدمرة أحياناً، وقد يبدءون علاقات مع أناس ليسوا مناسبين لهم وتجنبهم للمناسبين لهم.
هناك الكثير من الوسائل اللانهائية لتعذيب أنفسنا مثل: الإفراط في الطعام، أو إهمال احتياجاتنا، أو مقارنة أنفسنا بالآخرين، أو منافسة الناس، أو العيش في الذكريات المؤلمة، أو تخيل مشاهد مؤلمة للمستقبل، وهذه النوعية من الناس تبدأ بكلمة "لو" في كل تخيلاتها مع أن كلمة "لو" تفتح عمل الشيطان.... إلخ.
في الحقيقة لا يهم متى بدءوا في تعذيب أنفسهم، ولكن يجب أن يتوقفوا الآن، هؤلاء الأشخاص يمكنهم أن يمنحوا لأنفسهم ما تحتاجه من العاطفة. وليقولوا لأنفسهم: إننا بخير، وإنه لمن الممتع حقا أن نحيا كما نريد. إن أفكارنا كذلك جيدة ومشاعرنا مناسبة وطبيعية. إننا على صواب فيما يجب عمله اليوم، وفي هذه اللحظة أيضــــــا. لا يوجد عيب أساسي بنا، فإذا ما قمنا بارتكاب خطأ فلا يهم فلقد قمنا بأفضل ما نستطيع القيام به.
إن الأشخاص الذين يبدون أكثر جمالا يشبهوننا. والفرق الوحيد هو أنهم يخبرون أنفسهم بأن يظهروا بشكل جيد و يسمحوا لأنفسهم أن يشعروا بالإشراق والنضارة من خلال التفكير الإيجابي في أنفسهم، فهم يرون أنفسهم طيبين عاقلين مهمين؛ باختصار هم يعتزون بأنفسهم دون غرور ودون استعلاء أو خيلاء على الآخرين من البشر. إن ما نخبر به أنفسنا هو ما يصنع الفرق بيننا وبينهم؟!.
إننا جيدون بالشكل الكافي، كما أننا متناغمون مع الحياة. إن معظم ما نشعر به من توتر وخوف يأتي من اعترافنا لأنفسنا باستمرار بأننا لن نتمكن من مواجهة العالم وجميع مواقفه ومشكلاته. يجب أن نقول لأنفسنا إننا صالحون للحياة وللواقع من حولنا أننا في حاجة لأن نكون جيدين تجاه أنفسنا، وأن نتعاطف معها، فكيف يمكننا أن نهتم بأنفسنا إذا كنا نكرهها؟!
يجب أن نرفض الدخول في علاقة عدوانية مع أنفسنا، علينا أن نتوقف عن لوم أنفسنا وشعورنا بأننا ضحايا، ويجب أن نتخذ خطوات مسئولة نحو التخلص من دور الضحية، ويجب أن نتغلب على إحساسنا المستمر بالذنب. إن الخجل والإحساس بالذنب لا يخدمان أهدافنا ذات المدى الطويل.
يجب أن نتوقف عن الشعور بالخجل من أنفسنا، فالخجل مثل الشعور بالذنب لا يخدم الأهداف بعيدة المدى، فإذا ما قال لنا الناس بطريقة مباشرة أو غير مباشرة: إنه يجب أن نخجل من أنفسنا، فلا يجب أن نصدقهم. إن الخجل وكراهية النفس لا يفيد سوى للحظات. حاول أن تتذكر موقفا أحسست من خلاله الشعور بالخجل والذنب معا، حاول أن تتذكر موقفاً تم فيه حل مشكلة عن طريق هذا الشعور. في معظم الأوقات يجعلنا الشعور بالذنب والخجل متوترين وبالتالي غير قادرين على عمل الأفضل لدينا، إن الشعور بالذنب يجعل كل شيء أكثر صعوبة.
في كل مرة تتصرف على أنك ذو قيمة عالية وبدون إحباط يكون الأمر أكثر سهولة بالنسبة لك في المرة التالية، يجب علينا أن نتعامل برقة وحب، وأن نستمع إلى أنفسنا ونهتم بها وبمشاعرنا وأفكارنا واحتياجاتنا ورغباتنا وأي شيء يخصنا، يمكننا أن نتقبل أنفسنا وعلينا أن نبدأ من النقطة التي نقف عندها وسوف نتقدم كثيراً. علينا أن ننمي مواهبنا وقدراتنا وأن نكون صادقين مع أنفسنا وأن نحترم أنفسنا ونقدرها، وهنا يكمن سحر قوتنا، فهذا هو طريقنا إلى الحياة بشكل جيد.
ويتبع >>>>>>>>>>> أخالفكم في الرأي تأكيد الذات مشاركة3