أبدى عددٌ كبير من المسؤولين والمفكرين الإسرائيليين، المشاركين في المؤتمر السنوي لمعهد الأبحاث القومي الإسرائيلي التابع لجامعة تل أبيب، غضبهم الشديد من استمرار الدول العربية في "تهميش" اسم (إسرائيل) على الخارطة السياسية المعتمدة في بلادهم، بما فيها تلك التي يتم طباعتها حديثاً، فهي غير موجودة في المناهج الدراسية، ولا يراها أطفالهم في كتبهم المدرسية، ولا تظهر في عرض مسار الرحلات الجوية في الطائرات المدنية، الأمر الذي يُبقي على اسم (إسرائيل) غريباً ومنبوذاً، ويجعل منها دولةً مكروهة، يرفضها العربي، ولا يقبل بها شريكاً له في المحيط، أو جاراً معه في الإقليم.
ويزيد الأمر سوءاً لدى المفكرين والمسؤولين الإسرائيليين أن الخرائط السياسية والجغرافية العربية، مازالت تضع اسم فلسطين فوق "يهودا والسامرة"، متجاهلةً الدولة اليهودية، التي كانت قديماً وعادت من جديد، دون أي إشارة إلى دولة (إسرائيل)، بل إن بعضها تُنكر أسماء المدن الإسرائيلية، وتُطلق عليها أسماءً عربية مستحدثة، رغم أن أصلها عبري، ويزيد عمرها عن ألفي سنة، وقد وردت في الكتب المقدسة، وجاء ذكرها في التاريخ كثيراً، ولكن بعض العرب يجحدون الحقائق، ويُنكرون التاريخ، ويقرأون منه ما يحلو لهم، ويُديرون ظهورهم لما يُخالفهم، أو لا يُعجبهم!!
إلا أن المجتمعين في المؤتمر السنوي لمعهد الأبحاث القومي الإسرائيلي، المغتاظين مما يروا، يُنصفون بعض المسؤولين العرب، ويذكرونهم بخير، ويُشيدون بجهودهم، ويُقدرون أعمالهم، حتى أن البعض وصفهم بـ "الشجعان"، وأنهم كانوا سباقين في الاعتراف بالحقائق، والتسليم بثوابت التاريخ!!
فهم الذين تحدوا الشارع العربي، ووقفوا في جه المتطرفين والمتشددين، من غُلاة المنحرفين والضالين العرب، الذين يُريدون لي أعناق التاريخ، وتغيير صفحاته، بل إن منهم من يريد أن يُمزق من التاريخ صفحاتٍ كثيرة، ويأتي بغيرها مزورة، ليوهم نفسه وغيره، أن التاريخ كان لهم، والأرض أرضهم، وأن اليهود هم الذين اغتصبوا حقوقهم، وطردوهم من أرضهم.
ويرون أن بعض المسؤولين العرب، من السياسيين والمثقفين، أنصفوا اليهود، ووقفوا إلى جانبهم، وساندوهم في "حقهم"، وكانوا من الشجاعة بمكان، أنهم عارضوا المتطرفين من مواطنيهم، والمتشددين من شعبهم، ولم يترددوا في تثبيت اسم (إسرائيل) على الخرائط السياسية.
وفي الجانب الآخر تُطالب (إسرائيل) دول العالم بشطب اسم فلسطين عن خرائطهم السياسية، وعدم ذكر اسمها، أو الأسماء العربية للمدن الفلسطينية، والاكتفاء بذكر الأسماء العبرية للمدن، أو أسماء المدن الإسرائيلية فقط، وقد خاضت الحكومة الإسرائيلية معركة كبيرة مع شركة (غوغل) العملاقة، لأنها أدرجت اسم "المناطق الفلسطينية أشجان الأرض وأهلها في يومها" على الضفة الغربية وقطاع غزة، وميَّزتها عن باقي الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1948، التي ما زالت تُطلق عليها اسم (إسرائيل).
كما طالبت الحكومات الإسرائيلية المختلفة المفاوضين العرب، المصريين والأردنيين والسوريين واللبنانيين والفلسطينيين، خلال جولات المفاوضات معها، قديماً وحديثاً، بوجوب تغيير الخارطة السياسية المعتمدة في بلادهم، وإدراج اسم (إسرائيل) على قسمٍ منها، وعدم الاكتفاء باسم فلسطين فقط، وضرورة تغيير المناهج الدراسية التي تتناول جغرافيا فلسطين، واستبدالها بجغرافيا (إسرائيل).
لا نستغرب هذه المطالب الإسرائيلية، فهي وقحة جداً، ولا تخجل من المطالبة بأي شيء، وتستخدم في فرض مطالبها الولايات المتحدة الأمريكية، بصفتها راعية لعملية السلام، وكذلك دول الإتحاد الأوروبي، ونذكر مثلاً أنها طالبت الدول العربية بتغيير نشيد الصباح في المدارس، وطالبت بتغيير الزي العسكري للتلاميذ (الكاكي)، وبإلغاء حصص وتمارين الفتوة "شبه العسكرية" التي يتلاقها الطلاب خلال دراستهم، ما يعني أنه يجب علينا ألا نستغرب المطالب الإسرائيلية ولا نستهجنها، فهي بالنسبة لهم طبيعية وعادية، طالما أنها تجد في الطرف الآخر من يستمع لها، ويستجيب إليها، ولا يعترض على شروطها ومطالبها.
وكانت الحكومات الإسرائيلية قد حاولت إقناع (الأونروا) بضرورة مطالبة المشرفين على وضع المناهج التعليمية لمئات آلاف الفلسطينيين، في المدارس التابعة لها في الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي الأردن وسوريا ولبنان والعراق، بوضع اسم (إسرائيل) على الخرائط السياسية، وإزالة كل ما يتعلق بجغرافيا وتاريخ فلسطين، إلا أنها فشلت في تحقيق مرادها، ولم تتمكن من الوصول إلى أهدافها التي تتطلع إليها.
الإسـرائيليون يتطلعون إلى هدفٍ بعيد، ويُسـلطون عيونهم على غاية يتمنون الوصول إليها؛ فهم يُريدون تغيير العقل العربي، وتدجينه بدءاً من الأطفال وصولاً إلى الكبار، عبر زرع اسـم (إسـرائيل) في أدمغتهم، وجعله يمر طبيعياً في كراريسـهم، وعلى كتبهم، وفي الخرائط السـياسـيـة أمام عيونهم، لتُصبح (إسـرائيل) بالنسـبة للعرب دولـةً عاديـة، كأي دولـةٍ أخرى في الجوار والمحيط، ليسـت عدوة، وكأنها لم تحتل أرضاً عربيـة، ولم تطرد الفلسـطينيين من ديارهم، ولم تحرمهم من حقوقهم، لهذا لا ينبغي مقاطعتها ولا معاداتها!!
ولهذا فإن الإسـرائيليين يشـعرون بغيظٍ شـديدٍ عندما يسـألون طفلاً فلسـطينياً صغيراً، ممن ولدوا في المخيمات أو في الشـتات، ولا يعرفون عن فلسـطين سـوى اسـمها، ولم يسـبق لهم أن رأوها أو عرفوا معالمها، أو عاشـوا هم أو آباؤهم فيها، عن أصلـه وبلده، فيجيب الأطفال الصغار، أنهم فلسـطينيون، ويذكرون اسـم البلدة الأصليـة التي ينحدر منها أباؤهم، فيغتاظ الإسـرائيليون ويُصابون بالحُنق، كيف لهذا الطفل الصغير الذي لا يعرف شـيئاً عن بلده، أن يحفظ اسـم بلدتـه، والقريـة التي عاش فيها أهلـه، ويُظهر اعتزازه بها، وافتخاره بمعرفتـه لها!!؟؟
يجب أن يبقى اسـم فلسـطين مغروسـاً في القلوب، وسـاكناً في الحنايا، تحفظـه النفوس، قبل أن تنطقـه شـفاهنا حروفاً، ونورثها لأجيالنا من بعدها، أمانـةً لا تُنسـى، وحقاً لا يضيع، ومجداً يجب أن يعود، وملكاً لا بد أن يُسـتعاد، ففلسـطين وقدسـها، وأقصاها ومسـراها، قبل أن تكون اسـماً على الخارطـة، وحروفاً في كتاب، فإنها آيـةً في كتاب الله، يحفظها القرآن، ومنـه نتلوها إلى يوم القيامـة.
Apr 5 at 5:53 PM
واقرأ أيضًا:
يوم الأرض معانٍ معاصرة وذكرى متجددة/ ماذا تعرف عن يوم الأرض!!؟؟/ تقرير تفصيلي حول ذكرى يوم الأرض/ يــوم الأرض.. خــاتمــة.. وفـاتحــة/ أشجان الأرض وأهلها في يومها