يبدو لي أن أغلب العرب لم يدركوا بعد أين يقع الخلل في حياتهم ومجتمعاتهم، وبالتالي فما يزالون بعيدين عن تسديد مواضعه، وإصلاح أوضاعهم، رغم أن ثورات الربيع العربي تقدم لهم فرصة ذهبية ليفعلوا .
في ثمانينات القرن الماضي انطلق في قطر مشروع طموح كان فريدا من نوعه –حينذاك -حين صدرت مجلة شهرية للفكر الإسلامي.. ثم شاءت مجلة "الأمة" هذه.. أن تفتح ملفا للكتابة والنقاش.. بعنوان : أين الخلل؟!
ولا أحسب أن القيادات السياسية، ولا المجتمعية قد قرأت ذاك الذي جرت به الأقلام، وصفت حروفه المطابع، وربما نحتاج إلى طرح نفس السؤال من جديد؟ حين أرى أعدادا متزايدة ممن حولي يهتمون بما يتوهمونه أملا ويسمونه انتخابات رئاسية، ويتعاركون على قبض الريح، وحصاد الهشيم،
ومناقشة بنود منمقة تقدم إليهم بوصفها برامج وخطط بعد أن رأوا بأعينهم طوال سنوات أن ما تبقى من أطلال أجهزة دولتهم الفاشلة المنهارة هو في قبضة عصابات مستميتة في الحفاظ على مصالحها، وتمتين شبكاتها، وتحطيم كل من وما يقف في طريقها مهما كان،
واستخدام بشر وأسلحة أجهزة العنف الرسمي (شرطة وجيش) في البطش.. بلا حدود يضعها ضمير، ولا خوف من محاسبة شعب، ولا رادع من مقاومة حية يقظة للظلم والظالمين، فماذا ينتظر من هكذا أجهزة؟؟
طوال أكثر من ثلاث سنوات تواصل الخدمات الأساسية الانهيار في مصر، وتتواصل معاناة الفقراء، وتتواصل شواهد ودلالات اضمحلال القيادات السياسية والتنفيذية والدينية والمجتمعية القديمة/الحالية.. فماذا ينقصنا حتى ندرك أن الدور المطلوب منا صار يتجاوز بكثير مجرد الفرجة والتسلية، ومشاعر الأسى الذي تجتاح نفوس الناس المتابعة لهذا العجز والانهيار والاضمحلال!!
بل ماذا ينقصنا لندرك أن مجرد الاحتجاج لم يعد كافيا، وأن حتى العودة إلى حدود 30 يونيو، وهو ما صار مستحيلا، لن تكون حلا، ولا تطرح أفقا لأي حل، وأن الخلل في مصر أكبر من أن تسده أو تصلحه جماعة هي نفسها تفتقر وتحتاج إلى تغييرات وإصلاحات جذرية، ولا تظهر عليها –حتى الآن -بوادر إدراك نواحي الخلل فيها بالتحديد، أو فداحة الثغرات، أو مواضع الأخطاء، ونواحي القصور!!
ماذا ينقصنا لندرك أن عقودا من البرمجة والتطويع والتطبيع مع الفشل والتأخر وانعدام الهمة، والكفاءة، وغياب الوعي العقلي والروحي والإنساني تحتاج إلى تضافر لجهود الناس.. كل الناس.. واندماجهم في عمليات البحث عن ذواتهم وحياتهم الإنسانية المفقودة،
ورتق وترميم علاقاتهم الإنسانية الممزقة، ومراجعة مواقفهم من الحياة الدنيا عامة، ومن طريقة تناولهم للأمور، وتعاملهم مع شؤونهم الشخصية، والمجتمعية!!
ماذا ينقصنا لندرك أن السلطات العربية كلها قد صارت منتهية للصلاحية، وأن الصبر عليها مثل الاحتجاج غير المصحوب بتكوين حقيقي لمجتمعات متينة قوية متفاهمة، وحين توافرت فرصة بدء بناء هذه المجتمعات هنا وهناك.. ينشغل الناس بأخبار النخب، وأصحاب الثروات، وزعماء العصابات التي تسرقهم، وتحول حياة بعضهم –على الأقل -إلى جحيم!
حين يرتبك العقل الجمعي العربي في تعامله مع المعطيات الحالية، ويعجز عن استثمار طاقات مهولة منطلقة وهادرة لأجزاء وأجيال منه، بل ربما يتبرم من الانطلاق والهدير ويربط بينهما وبين فوضى لا يدرك أنها من علامات ومعطيات الخروج من الجب الذي نعيش فيه كعرب، جب التخلف والتأخر وانسداد الأفق!!
ماذا ينقصنا لنرى المعطيات المتاحة، والفرص السانحة، وزخم الطاقات المتفجرة في مقابل وهن السلطة والمتسلطين عليها، وبؤس أدواتهم، ومصير أمتنا على أيديهم، إن هي استسلمت لهم يستكملون سلب خيراتها، وحلب مواردها لحسابهم، وأولادهم، وعشائرهم!!
ماذا ينقصنا لنتعلم من تجارب أمم سبقتنا في مدافعة الاستبداد، ولها في ذلك طرق وفنون وخبرات متراكمة تبحث عن تعلم منها، ونقل مبدع يطورها، ويستفيد من رصيدها!!
ماذا ينقصنا لنتحرر من تدين كهنوتي شكلي أورثنا الصغار في مواجهة الصغار.. المنتفخين.. علينا، المتسلطين على أجهزة ضخ الأكاذيب، والتلاعب بالعقول، وما يزال فينا سماعون ومشاهدون ومتابعون لها ولهم!!
ماذا ينقصنا لنستعيد ما فقدنا من وعي وتواصل وفطرة واستخلاف من الله لكل واحد فينا ليقوم بمهام إلهية بتفويض منه سبحانه من عمارة للأرض، وسعي لإقامة العدل، وتحقيق القسط، ونشر السلام والحب والتعارف والتكامل بين بني آدم، وكلهم من تراب واحد، وفيهم نفخة رب واحد!!
ماذا ينقصنا لندرك مواطن الخلل؟؟
ماذا ينقصنا لنسأل ونعترف ونتعلم؟؟
الجمعة, 09 مايو 2014
واقرأ أيضا: