((أصبح المصريون وقياداتهم أكثر دفئاً تجاه اليهود وإسرائيل))
كان هذا عنوان مقال نشرته وكالة التلجراف اليهودية "JTA" وتداولته عدد من الصحف والمواقع الإسرائيلية وعلى رأسها جريدة (جورزاليم بوست).
استشهد المقال والصُحف التي نشرته بالزيارة التي قام بها إلى القاهرة، وفد اللجنة الأمريكية اليهودية للقاهرة (The American Jewish Committee - (AJC . فتحدث عن الحفاوة التي استقبلهم بها الرئيس المصري. والتي ناقشوا فيها العديد من الموضوعات وعلى رأسها "كيف يمكن لمصر وإسرائيل أن تتعاونا معاً ضد الاتفاق النووي الإيراني؟" وكذلك التهديدات الإرهابية الإقليمية، ومحادثات السلام المتعثرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، والحفاظ على التراث اليهودي المصري.
وعلَّق "جيسون آيزاكسون" عضو اللجنة الأمريكية اليهودية على الزيارة، بقوله "أجد مزيداً من التسامح، أجد المزيد من الإحترام لإسرائيل، والشعور بالقواسم المشتركة بين الاهتمامات الاستراتيجية المصرية والإسرائيلية والمواقف المشتركة تجاه حركـة "حماس"..."
وكتب بعض المحللين الإسـرائيليين أن الحكومة الجديدة في القاهرة في عهد الرئيـس المصري الجديد عبد الفتاح السـيسـي أسـسـت علاقـة وديـة مع الشـعب اليهودي وظلّت وسـيطاً نزيهاً في التفاوض بشـأن اتفاقات متبادلـة المنفعـة مع دولـة (إسـرائيل)، ولقد شـهد القادة الأمريكيين والإسـرائيليين تغييراً ملحوظاً في سـلوك الحكومـة المصريـة!
وقارن المقال بين الموقف من اليهود في مصر في العقود الماضية والذين بلغ عددهم 75000 قبل حرب 1948 والذي أصبح اليوم لا يتعدى 8 نساء مسنات بالقاهرة، نتيجة معاداة السامية في مصر واضطهاد اليهود وتجريدهم من المواطنة والجنسية منذ الخمسينات.
وأثنى على الوضع الحالي الذي لم تعد فيه كلمة "يهودي" أو حتى كلمة "صهيوني" تُمثل لعنة كما كانت من قبل. واستشهد في ذلك بمسلسل "حارة اليهود" الذي عكس موقف كثير من المصريين من أن الإخوان المسـلمين اليوم وليـس الصهاينـة هم الذين يُمثلون التهديد الأخطر والعدو الأكبر للأمن المصري..!!
كما أنه خلال الحرب بين (إسرائيل) وحركة "حماس" في الصيف الماضي، أدانت الحكومة المصرية حركة "حماس" حليفة الإخوان، لسلوكها "التصعيدي" ضد (إسرائيل). ونشـرت محطات التلفزيون التي تُديرها الدولـة في مصر، مصطلح "إرهابي" لوصف الهجمات الصاروخيـة التي أطلقتها حركـة "حماس" على (إسـرائيل)..!!
وأشار المقال إلى ما قاله الرئيس السيسي في شهر مارس/آذار الماضي من أنـه يتحدث إلى رئيـس الوزراء الإسـرائيلي (بنيامين نتنياهو) كثيراً، وهي الممارسة التي لم يسبق لها مثيل منذ أيام (كامب ديفيد)، وكذلك القواسم المشتركة التي لم يُسمع بها من قبل.
كما أن الرئيس السيسي قد قام بتعيين حازم خيرت سفيراً جديداً لدى (إسرائيل)، بعد أن تم سحب السفير السابق منذ ثلاث سنوات في نوفمبر 2012 بعد ضرب غزة.
كما أنه في أعقاب زيادة النشاط الإرهابي في سيناء، فإن هناك زيادة في التنسيق العسكري والأمني بين الجيشين المصري والإسرائيلي.
ومن ناحية أخرى نشرت صحيفة (جورزاليم بوست) في 11 أغسطس/آب تقريراً عن الزيارة التي قام بها "وفد آخر" من الكونجرس لكل من مصر و(إسرائيل) في 10 أغسطس/آب الجاري، بترتيب من مؤسسة حلفاء (إسرائيل) Israel Allies Foundation. وهي الزيارة التي حرصت المؤسسة على ترتيبها في سياق التواصل مع المعارضين للاتفاق النووي. وأن الوفد قد عقد لقاءات مغلقة مع عدد من المسؤولين المصريين. ولقد أعلن الوفد بعد الزيارة بأن "مصر مثل إسرائيل ترفض الاتفاق النووي مع إيران".
وأخيراً وليس آخراً، نقلت وكالات الأنباء أن مطار القاهرة الدولي قد استقبل في 11 أغسطس/آب الجاري، وفداً إسرائيلياً في زيارة سريعة، التقى خلالها عدداً من المسؤولين المصريين، وكان على رأسه المحامي "إسحق مولخو"، المقرب من رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) وكبير المفاوضين السابق مع الفلسطينيين. ولم يتم إطلاع وسائل الإعلام على أي تفاصيل بشأن هذه المباحثات التي اتسمت بطابع السرية!
كانت هذه جولة مع بعض مما تم نشره عن يوميات العلاقات المصرية - الإسرائيلية خلال شهر أغسطس/آب الجاري فقط، وفيما يلي بعض الملاحظات:
- نحن بصدد نشاط إسرائيلي مكثف ومحموم في القاهرة؛ ففي خلال شهر واحد زار القاهرة ثلاثة وفود، أحدهما شبه سري برئاسة المستشار المقرب (لنتنياهو)، والآخرين من منظمات أمريكية شديدة التطرف في صهيونيتها ودعمها لإسرائيل، ويُمكنك متابعة مواقفها من مواقعها الإلكترونية.
- تجاهلت وسائل الإعلام الرسمية والخاصة والصُحف "القومية" و"المستقلة" في مصر، أي حديث عن طبيعة هذه المنظمات، وخلت من أي نقد لزيارتها إلى مصر.
- ليس من المقبول أن تكون القاهرة جزءً من الحملة الإسرائيلية ضد الاتفاق النووي الإيراني، وأن تمتنع عن إثارة أي اعتراض على السـلاح النووي الإسـرائيلي...!!! فهذا يُمثل انحيازا فجاً وصادماً (لإسرائيل)، وخروجاً على السياسة الخارجية الرسمية، التي تمسكت، حتى في ظل الرئيس مبارك، بالمطالبة بشرق أوسط خالٍ من السلاح النووي بما في ذلك (إسرائيل).
- إن "التراث اليهودي" في مصر، هو شأنٌ مصري خالص، ومن غير المقبول أن نسمح لأي منظمات صهيونية أو غير صهيونية، بالتدخل فيه بالمناقشة أو التوصية أو الاقتراح أو حتى بالتلميح! ففي ذلك انتهاك للسيادة الوطنية، كما أنه اعتراف بالرواية الصهيونية، فيما تدعيه من أن اليهود يُمثلون شعباً واحداً، وليسوا مواطنين طبيعيين في بلاد العالم التي يعيشون فيها، وما يترتب على ذلك من إدعاءات "بحق الحماية" والإشراف والمتابعة لأي شأن يهودي في العالم من قبل منظمات الحركة الصهيونية العالمية.
- إن أُطروحة "دفء المصريين تجاه إسرائيل" التي تحدثت عنها الصحف الإسرائيلية، هي أُكذوبة صهيونية جديدة؛ فالموقف الشعبي المصري لم يتغير، فهو لا يزال وسيظل يعتبرها العدو الأول. وإنما الذي تغيّر هو الموقف الرسمي، والذي عبّر عنه الرئيس السيسي بوضوح في أحد لقاءاته السياسية، حين قال "إن السـلام مع (إسـرائيل) أصبح في وجدان كل المصريين"...!!!
- كما أن الإدعاء بأن المصريين كانوا معادين لليهود وللسامية منذ الخمسينات، هو كذبة أخرى؛ فاغتصاب فلسطين وذبح شعبها وطردهم واعتداءات 1956 و 1967 والمذابح اليومية للعرب التي لم تتوقف على امتداد 70 عاماً، هي السبب في العداء المصري والعربي (لإسرائيل) وللصهيونية ولاتفاقيات الصُلح والاستسلام والتطبيع معها.
- إن القاعدة التي صكتها الأنظمـة والحكومات والحكام المصريين منذ عام 1974، بحظر المعرفـة والمعلومات والحقائق والرأي والموقف عن الشـعب المصري في كل ما يخص العلاقات المصريـة - الإسـرائيليـة، واعتبارها من "الأسـرار المقدسـة" المحتكرة من جانب السـلطـة، هي قاعدة فاسـدة وخطيرة ويجب أن تتوقف. ولقد سـبق أن أدت إلى توريط مصر وتكبيلها في اتفاقيات غير متكافئـة، فرَّطت بالسـيادة الوطنيـة ومصالح مصر العليا والأمن القومي المصري والعربي.
- وأخيراً وليس آخراً، على كل القوى والشخصيات الوطنية، أياً كانت مرجعيتها الفكرية أو مواقفها السياسية، أن تخرج عن صمتها وسلبيتها تجاه هذا الملف، وأن تنتقد هذه التوجهات والسياسات الدافئة والحميمة التي يتم نسجها الآن مع هذا الكيان الصهيوني المسمى (بإسرائيل)، وأن تؤكد رفضها لإعادة إنتاج (كامب ديفيد) بثوب جديد.
واقرأ أيضاً:
شروط إسرائيل والسلام المستحيل!/ كل مجلس أمن وأنتم طيبون / نحن وحركة فتح فى ذكراها الخمسين / القدس رايتنا!