أثبتت الشعوب الإسلامية قدرتها على الالتفاف حول قضية أمتها، قضية فلسطين، وجاهدت ذلك الحصار الغربي الغاشم الذي ضربته أمريكا وحلفاؤها على الحكومة الفلسطينية، وقالت بصوت يسمعه القاصي والداني: إن صمد شعب فلسطين وقال: نجوع ولا نركع، فإنا نقول: فلسطين، لن تجوع ولن تركع، وقامت الشعوب متمثلة في شرفائها من العلماء والمؤسسات الخيرية بجمع ملايين من الأموال لأجل صالح شعب فلسطين، كي لا يجوع ولا يعرى ولا يذل نفسه لهذا الإجرامي الصهيوني.
ولكن ما تصنع قوافل الإغاثة والبوابة مغلقة، فعجيب موقف الحكومات، وأعجب منه موقف البنوك التي خانت وظيفتها، وركعت للسيد الأمريكي المطاع، وخرجت عن شرف الوظيفة، ولطخت شرف البنوك، فأضحت حبلى تكاد تلد أبناء غير شرعيين لنساء عربيات، أقصد البنوك العربية، من رجال غربيين، مختلفي الملة والوطن.
إنما أفهمه أن البنوك كان يجب عليها أن تحافظ على قوانينها التي وضعها بنو البشر ،وأن تقوم بوظيفتها بسداد الأموال التي يتقدم بها عملاؤها للجهة التي يطلبونها دون تدخل من البنك، لأنه ليس هذا من وظيفته، وإلا فالبنوك تهدد مستقبلها.
وما أحسن ما قاله الشيخ العلامة يوسف القرضاوي في المؤتمر الذي انعقد بقطر يومي الأربعاء والخميس 10-11/5/2006 أنه يجب على من يتعاملون مع تلك البنوك أن يسحبوا مدخراتهم واستثماراتهم منها، لأنها خانت الأمانة، ولم يعد لها أهلية أن تملك وظيفتها، وهو نداء عاقل لكل رجال الأعمال الشرفاء الذين يتعاملون مع البنوك التي رفضت تمرير الأموال العربية لحكومة فلسطين، وهذا مطلب شعبي جماهير مقدور عليه؛
وهو من الجهاد المدني لرجال الأعمال الشرفاء، الذين يحملون جزءا من عبء أمانة الأمة، فإن كان غيرنا قد ملك قدرا كبيرا من اقتصاد العالم، وجمع بحيل أموال الأمة ينتفع بها، ويحاربنا بها، فمن باب أولى أن نضغط اقتصاديا على كل من يقف ضد مصالح الشعب العربي المسلم، وأن يكون في طليعة هؤلاء رجال الأعمال الشرفاء، وأرى أن تعد قائمة بأسماء البنوك التي رفضت تمرير الأموال الشرعية، والتي تجمع عبر مؤسسات شرعية معترف بها من الدول العربية والإسلامية، وأن يتم التفاوض معهم، فإما أن يمرروا، وإما أن يقاطعوا.
وإن كان البنوك ستضار من هذا، فلتسحب البنوك التي تضع ودائع في بنوك أمريكية إلى بنوك أوربية أخرى تكون أكثر سماحة، مما يقوي الموقف الداعم للحكومة الشرعية، أما إن كانت بنوكا لا علاقة لها بالبنوك الأمريكية، فتلك طامة كبرى، ومصيبة عظمى، وإذا كان العالم يذوق الأمرين لأجل ازدواجية المعايير التي تقوم بها الدول الغربية، فإن أمر الأمرين أن يقوم بهذا بنوك هي ملك لأبناء جلدتنا وعربيتنا وإسلامنا، وكما قال الشاعر العربي الحكيم:
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة ** على النفس من وقع الحسام المهند
أو ما عبر عنه الشاعر عن ضعف وظلم الأقربين حين قال:
سريع إلى ابن العم يلطم خده ** وليس إلى داعي الندا بسريع
فهو نداء موجه للشرفاء من رجال أعمالنا في الدول العربية، أن يقوموا بالضغط على البنوك والتهديد بمقاطعتها، وأن يتم جميل الشعب العربي والمسلم أن يقف ضد الظالمين مع المظلومين، فإن شعوبا يموت جوعا يترك فريسة، فإن النتيجة كما قالت العرب: أكلت يوم أكل الثور الأبيض.
وإن كانت قضية فلسطين من الوضوح بما يؤمن به غالب العرب والمسلمين، ولم نستطع أن نقدم لهم دعما، لإطعام الجائعين، ومداواة المرضى، وكسي العريان منهم، ومد يد العون لبناء مجتمعهم بعد أن دمر، فكيف لنا أن نبي أوطاننا، وأن نؤصل أوجه التعاون بيننا في مجتمعاتنا إن كان يختلف بعضنا مع بعض.
إن طلبنا من الوقوف مع شعب فلسطين، لأنه شعب مظلوم، قبل أن يكون شعبا عربيا مسلما، وإننا نطالب الشعوب الحرة أن تقف مع العدل، وأن ترفض الظلم وتدفعه عن كل إنسان يعيش على الأرض، مادام مظلوما، فالشعوب وحدها هي التي يمكن أن تنشئ حزب المظاليم، وتدافع عن حقوقهم.
واقرأ أيضا:
صالح ولا تصالح صلاة مشتركة في الكنيسة / فتوى بتحريم التماثيل الكاملة / خطوات إرشادية نحو علاج البغايا