وكأنني خشيت على روعة اللحظة من الضياع أو الذوبان في لحظة أخرى ليست بمثل الروعة، أكتب هذا المقال قبل الغداء في العاشرة والنصف ليلاً!
فأحياناً نخشى على اللحظات الإنسانية الثرية من التسرب من بين أصابعنا، ونحن هيهات نحاول الإمساك بها، ولكنها لا تنتظر كالمعتاد، وكم يقسو علينا الوقت حينما يمر سريعاً في هذه اللحظات التي قد تكون من أجمل اللحظات.
مقدمة طويلة لوصف لقاء المرة الأولى مع مجموعة من الصديقات (الإلكترونيات) بل دعوني أقول أخوات لأن هذا ما شعرت به فعلاً معهن، وهذا الشعور تعرفون أنه قلما يحدث في هذه الأوقات الجافة التي نمر بها، فأنا من أنصار تسمية هذا العصر، عصر العولمة (عصر الجفاف الإنساني)، وعصر قحط المشاعر وبرودها إن وُجدت، ولذا فأنا أسرع بالتدثر باللحظات الدافئة القليلة التي يمنحها لنا الزمن هذه الأيام.
وأعادتني الجلسة الإنسانية الصافية التي جلستها معهن إلى قول يوسف إدريس التي تزين أعلى مكتبي التي يخاطب فيها الإنسان (أي إنسان): (............ أنت أعظم مخلوق في هذا الكون الفسيح الذي لا تصدق أبعاده، أنت أروع ما فيه، أنت الكائن الوحيد القادر أن تكون إنساناً).
وذكرتني الجلسة أيضاً بـ(باولو كويليو) الكاتب البرازيلي الإنساني الجميل واعتقاده أن الإنسان هو المعجزة الحقيقية على الأرض. فاكتشاف البشر والتعرف عليهم يعلن باستمرار عن معجزات جديدة ومتجددة، وهذا ما حدث معي اليوم.
فتذكرت -بعد ما كدت أنسى- أن القبح لم يتسلل بعد لكل النفوس، وأن جمال الروح والشخصية لا يزال يوجد بيننا، فقط نحن ننسى أو لا نبحث بصدق. واحدة منهن كنت أصر أنني قابلتها من قبل من ألفتي الشديدة معها، وقربها الإنساني الجميل مني وقدرتها العجيبة على قراءتي من أول لقاء بشكل لا أستطيع تفسيره إلا بقول الرسول الكريم (المؤمن يألف ويُؤلف)، وبالحديث الصحيح الآخر (الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف) صدقت يا حبيبي يا رسول الله.
أما الثانية فقد أثرت في بجملتها:(لقد جمعنا الله لأجل هدف، وعلينا أن نكمل هذا الطريق). وتقصد أن تعارفنا الذي تم في منتدى عمرو خالد لم يكن صدفة بل تدبير إلهي محكم لغرض عظيم ويجب أن نقرأ العلامات كما قال (كويليو) وأن نسير في الطريق، وأن نكمل ما بدأناه. وفعلاً الموضوع الذي جمعنا على المنتدى أصبح نواة مشروع متشعب، أولى تشعباته كتاب يحمل عنوان (وريقات من مذكرات مصري مغترب) وهو نفس عنوان الموضوع على المنتدى ويبدو أن، (محمود نجم) كاتب الموضوع ومؤلف الكتاب كان مخلصاً تماماً لله فما كتبه، فعدد قراء الموضوع يقترب من 45 ألف، وهو ما يقترب من أو يفوق عدد قراء موضوعات صاحب المنتدى نفسه!
المشروع الثاني الذي خرج من الموضوع هو دار نشر لا تزال فكرة وليدة، بدأت مجموعة الوريقات في تأسيسها بإنشاء موقع إلكتروني شبابي، كنواة لدار النشر المرتقبة إن شاء الله. ولا أستطيع تفسير نمو هذا الموضوع إلا بالإخلاص لله تعالى فإخلاص النوايا هو الذي يكبر المشروعات الصغيرة، ويسفر عن مشروعات أخرى كبيرة، فحينما تكون حياتنا كلها لله وحده يأخذ بأيدينا للمزيد والمزيد من الأعمال والإنجاز والخير.
أما أن تعطي الآخرين عمراً أقل كثيراً من عمرهم الحقيقي هذا ما شعرت به مع الثالثة، خاصة مع ملامحها الطفولية البريئة والتي لا تدل إلا على صفاء الروح، ومع خفة دمها الشديدة وبساطتها. ولمحت في شخصيتها ملامح برج الأسد الذي يمكنه منح الآخرين طاقة وتشجيعاً من أجل إنجاز ما يريدون، فظلت تحمسني من أجل إكمال مذكراتي التي أكتبها هنا على مجانين بعنوان الطريق إلى أوربا، والتي تأخرت كثيراً في إكمالها، لأسباب تعرفون بعضها، فأنتم تعرفون (لماذا أنا مكتئبة).
وشخصية الرابعة لا تختلف كثيراً عن الأخريات، فقد استمتعت جداً بهذا اللقاء، وكنت أتمنى لو أمتلك قدرة تثبيت الزمن للاحتفاظ بهذا المشهد أطول وقت ممكن. ولكنه الوقت وقاعدته المعروفة أن يمر كالصاروخ حين لا تريده أن يفعل، ويمشي أبطأ من السلحفاة حينما تريده أن يمضي! يقولون من أجل هذا أن الوقت نسبي. ولأن اللحظات الحلوة لابد أن تمضي، فقد افترقنا بدعاء ورغبة في لقاء جديد، نستعيد فيه معاً إنسانيتنا المنسحقة في عصر العولمة المجنون.
مساء الخميس 15/3/2007
واقرأ أيضًا:
يوميات ولاء: الإيميل وسنينه / إلى فتاة معذبة: كوني فاعلة / رسالتي إلى أبي