كان يوما عاديا من أيام العمل في الهيئة التي أعمل بها ولكن همهمات الزملاء لفتت انتباهي، ولفت انتباهي غياب زميلنا نادر عن الحضور منذ أكثر من أسبوع، كنت أجلس وأنا أنظر إلى شاشة الكمبيوتر فسمعت زميلا لنا يهتف بأن ما يفعله والد زميلنا نادر به حرام ولقد تصدى له وأخبره أن ابنه بخير معنا وهو لا يدري لماذا يكتئب حين يصل إلى المنزل، وزميلنا نادر مهندس عبقري; في الكمبيوتر وهو شخصية محيرة حقا، فهو قليل الكلام عن حياته وعلى الرغم من ذلك تجده يسألك في كل أمورك الشخصية حتى لو كانت علاقتك به لا تسمح بذلك.
أعرف عنه القليل من أحاديث الزملاء تربى مع والده الذي انفصل عن والدته ووالده هذا شخص صارم لا يسمح له بمشاهدة التلفزيون أو سماع الأغاني، ولذلك كان دائما ما يقوم بسماع ما يشاء في العمل، وزميلنا نادر في أواخر العقد الرابع من عمره ومع ذلك فهو لا يستطيع أن يعارض والده حتى في مجرد حقه في مشاهدة ما يريد (أنا حقا لا أحب سماع معظم أغاني هذا الجيل ولكن هذا اختياري).
ونظام الهيئة التي نعمل بها يحتم على الرجال العاملين به أن يعملوا سنة في أحد مناطق الهيئة النائية (أسوان- الوادي الجديد- سيناء).......... وطبعا طبقا لهذه القاعدة نقل زميلنا نادر مثل باقي الزملاء إلى منطقة نائية، وكان معه العديد من زملائنا وكان سعيدا لأنه تحرر من قبضة والده الحديدية، ولكن الوالد لم يسكت وأرسل تقارير طبية وأشاع في الهيئة كلها أن ابنه مريض بالاكتئاب وأن حالته لا تسمح له بالبقاء وحده لأنه يحتاج إلى رعاية مستمرة مع أن زملائنا قالوا أنه كان سعيدا هناك المهم أنه عاد إلى فرع الهيئة الرئيسي.
آسفة على هذه المقدمة الطويلة فقد كان لابد أن أعطي لمحة عن شخصية هذا الزميل، المهم أن والده بعد كل هذا ومع أن ابنه قارب أن ينهي عقده الرابع دون زواج على الرغم من أنه يملك شقة وكل تكاليف الزواج ولكن نتيجة ما يشيعه عنه والده فقد رفضت كل الزميلات التي تقدم إليهن الزواج منه (طبعا شيء يجيب اكتئاب وأنت ترى أن العمر يجري من أمامك وكل من هم في مثل سنك تزوجوا وأنجبوا البنين والبنات) قرر والده فجأة أن يدخله مصحة للعلاج لماذا لأنه يرفض أن يأخذ الدواء وهو يرى هو وطبيبه!!!!!!!! أنه بحاجة إلى العلاج.
كم آلمنا ذلك (نحن زملائه) ولكن ماذا بأيدينا أن نفعل له، عاد زميلنا نادر بعد أسبوعين لا ندري هل كان طوال هذه الفترة في المصحة أم لا ولكنه عاد أكثر انكسارا فهو يتحاشى النظر في وجوهنا لأنه يعلم أن والده قد أشاع الخبر في الهيئة حتى تحية الصباح هو لا يرد عليها بل يكتفي بإيماءة من رأسه هو يضع وجهه في شاشة الكمبيوتر فإذا سألناه عن حاله هز رأسه دون أن يلتفت إلينا، نحن في أشد حالات الألم جميعا لا ندري كيف نقول له أن ما حدث لا يعنينا ولن يغير رأينا فيه.
لا أدري ألا يوجد قانون يمنع مثل هؤلاء الآباء من العبث في حياة أبنائهم؟
وكيف وافق طبيبه على ذلك أن يعالجه رغما عنه مع أننا كنا نرى أن حالته لا تستدعي ذلك أبدا ربما يكون مكتئبا قليلا (كما يحدث لنا جميعا)، وما نتيجة هذا العلاج مزيد من الانكسار لا أدري لست متخصصة حقا ولكني أرى أنه أضره أكثر مما أفاده.
واقرأ أيضًا:
مدونات مجانين: أم سيد / مدونات مجانين في طريقي للعيادة النفسية