عالمنا المتسارع وفر للأجيال الحاضرة ثروة إدراكية معرفية لم تتيسر لأي جيل قبلها، فالمتغيرات المتسارعة أوضحت آليات ومقتربات كتابة التاريخ، فالفترات المعاشة المتقلبة قد بينت أن إرادة المحق المتلاحقة هي الفاعل المستتر في كتابة التاريخ، فكل فترة تريد أن تؤكد على دورها المثالي والصائب، وتلقي باللائمة على التي سبقتها، وهكذا دواليك في مجتمعاتنا العربية خصوصا.
وعندما نقرأ التاريخ مجردا من زمانه ومكانه نقع في الإثم الفظيع، ونتحول إلى أبواق أو صدى لفترة من فتراته، لا غير، ويمكننا أن نستحضر الطوارئ من التغيرات والتحولات المعاصرة وندعمها بمنهج انتقائي يبدو مقنعا ومعضدا بما يتحقق في الواقع.
فعندما نقرأ ما يجري اليوم يمكننا أن نفسره وفقا لفترة ما من فترات التاريخ المكتوبة بمداد التطرف والانحراف والميل لهذا أو لذاك.
ووفقا لذلك تجدنا نقرأ العديد من الكتابات المنحرفة في تصوراتها ومنهجها ورؤيتها وقراءتها للتطورات، وتحاول أن تفسرها وفقا لما قرأته وتوصلت إليه، من غير موضوعية كافية أو منهجية علمية محايدة، وبعزلة مطلقة عن الزمان التأريخي وكذلك المكان، ومعطيات العصر آنذاك.
فالتاريخ لا يُقرأ بعدسات اليوم، وتصوراته، وإنما يُقرأ بمعطياته الزمانية والمكانية، وإلا فأن التاريخ البشري بأسره عبارة عن سلوكيات همجية متوحشة، ولا فرق بين أي مجتمع وآخر في هذا التفاعل الدامي، فالمجتمعات البشرية تتحكم فيها سلوكيات الغاب الشرسة، التي تزيدها توحشا ودمارا العقائد المهيمنة على وعي البشر، وهذه الهيمنة تختلف من زمان لآخر.
وبسبب هذه العقائد بمختلف مسمياتها الدينية والحزبية، فإن البشرية قد اقترفت أفظع الخطايا بحق ذاتها وموضوعها، وأبشع الأحداث والتفاعلات كانت تتحقق وفقا لإرادة العقائد، التي تلطخت مسيراتها أجمعين بدماء الملايين من الأبرياء العزل. ولهذا فأن المسؤولية الحضارية والتأريخية والإنسانية توجب علينا في هذا العصر أن نكون حذرين وموضوعيين وعلميين في قراءة التاريخ، وعقلانيين لا عاطفيين منفعلين متقافزين نحو استنتاجات غير صحيحة وتصورات غير سليمة.
والحقيقة الساطعة التي لا يمكن غض الطرف عنها، أن جميع العقائد قد ارتكبت القبائح، والفرق بينها في درجة التوحش نسبي لا أكثر. فمنذ أول معبد بني في أيام سومر وما قبلها وحتى اليوم، والتوحش البشري يتنامى ويتطور، بعد أن أخذ سبلا طقوسية واعتقادية تجعل قتل الآخر سلوكا يقرّب إلى رب العقيدة وإلهها!!
ولا توجد عقيدة بشرية واحدة بلا خطيئة لتجيز لنفسها رمي العقائد الأخرى بحجر؟!!
فهل نقرأ التأريخ أم نقرأ ما فينا بعيون التأريخ الملونة؟!!
فاسألوا بلاد الأندلس عن "فرديناند" و"إيزابيلا" ومَن جاء بعدهم، إن كنتم تعترضون؟!!
واقرأ أيضاً:
سنكون ونكون!!! / أمّة لا أقرأ!! / التواضع عدوّنا؟!! / غابُ الدنيا!!