كلما أقرأ المنشور في الصحف والمواقع، ينتابني ذات الشعور عندما كنا طلبة منهمكين بتشريح جثة في مختبر التشريح، ورائحة الفورمالين نزكم الأنوف!! فهذه الكتابات تذكرني برائحة الفورمالين، وكأني أحسب الأمة بأوطانها ومجتمعاتها، جثثا هامدة في أحواض التشريح، وتعبث فيها المشارط، وتكتب عنها الأقلام ما تسميه تحليلات.
فأقلامنا لا تجيد إلا بُدع التحليل أو عبثه، وما جاءت بما هو نافع وصالح، ومعالج ومداوي للجراح والويلات، وبهذا يساهم المنشور في تعزيز موت الأمة وتمزقها، لكي تبقى النشاطات التشريحية على أوجها، وثلاجات التشريح الحضاري محشوة بالجثث الجاهزة للتمزيق. وكأن الأقلام مشارط لا غير، وهذا يعني أنها تجيد تشريح الأموات ولا تستطيع أن تتعلم المداواة وخياطة الجراح النازفة، وإنما تلوثها وتجعلها تلتهب وتتقيّح، وتقتل أبدانها لتكون جاهزة للرقود في أحواض التشريح.
فهل هذا يعني أن لا وعي الأقلام يقرّ بأن الأمة جثة هامدة؟!
فما قدّمت أقلامنا ما هو نافع كما تفعل أقلام مجتمعات الدنيا المتحضرة، ومعظم ما نكتبه بُكائي الطباع فجائعي النوايا، مدمر للنفس والروح، ومثبط لكل عزيمة وعدو للأمل. وكأن الأمة في مشرحة!!
والحاضر جثة على قارعة الويلات!!
والأجيال مصفّدة في طوابير الوعيد!!
آلام تتواكب، وكراسيٌّ تتصاخب، وثروات تتناهب، والشعب يتنادب، والبؤساء تتساغب، والويلات تتعاقب، والشرور تتجاذب!!
وجميعنا مَهرة في اللطم بالكلمات على السطور، وما أنجزنا مشروعا إيجابيا ولا تمكّنا من تبديد الظلمات وتنوير العقول، وما قدمنا قدوة حسنة الحضور، بل الصخب عادتنا والتناحر همنا، والانفعال قائدنا، والتخندق منهجنا، والويل كل الويل لنا من أنفسنا!!
فهل تصمّل وجودنا؟
وهل سنخرج من مشرحة ذاتنا، ونستفيق من أوجاع ضلالنا، وبهتان أفكارنا؟!!
فالبكاء لا ينفعنا، والبغضاء تقتلنا، والحبّ هو الذي يُطبّبنا ويُحيّنا!!
واقرأ أيضاً:
التواضع عدوّنا؟!! / التاريخ حمّال الأوجه؟!! / إنها مصر العربية؟!! / عولمة ومَأثمة!!