هل يُقرأ التأريخ مسطورا؟
ثلاثة عناصر يجب أن تتفاعل للوصول إلى قراءة تأريخية موضوعية ذات قيمة معرفية واعتبارية، وهذه العناصر هي المكان والزمان والإنسان، فلا يمكن القول بقراءة سليمة للتأريخ بالاعتماد على واحد منها فقط، وما تعودنا عليه هو أن نقرأ المكتوب وحسب، ونضع ما كتبه السابقون كتعبير عن وجهة نظر، أو ربما اتخذوا من ذلك حرفة أو صنعة للعيش، فهم يكتبون وفقا لآليات ترويج بضاعتهم وبيعها بثمن أغلى!!
هكذا تبدو بعض الكتابات وكأنها بضائع معروضة للبيع على "سكلة" زمانها!! ولهذا فإن الكثير من المطروح منها لا يهدف إلى الحقيقة وإنما الرواج والبيع وقبض الأثمان، ولابد أن تكون كتاباتهم بضاعة ومنهجهم كمنهج الشعراء الذين يبيعون بضاعتهم مزوقة بألوان المديح وفنونه، أي أنهم يتكسّبون بما يكتبون، ولا حرفة عندهم للعيش سوى ما تخطه أقلامهم. والتكسّب بالقلم معروف، كما هو الحال في الشعر على مر العصور ولا يزال.
وفي عصرنا الحالي نجد الكثير من الأقلام المتكسّبة، التي لا يعنيها سوى ترويج بضاعتها والحصول على أكثر ما تستطيعه من المال بواسطتها. وهذا يعني، أن الاعتماد على المكتوب فقط يتسبب في الابتعاد عن الحقيقة والموضوعية والمعرفة الصادقة الصائبة، وعليه فلابد من إقران المشاهدات المكانية والتواصل مع إنسان المكان لكي يتحقق الإدراك المعرفي السليم.
وكثيرا ما يبدو التناقض واضحا وشديدا بين المكتوب على السطور والموجود فوق التراب، وما يحمله الإنسان في ثقافته وسلوكه المتوارث عبر الأجيال، فليس من الصحيح الاعتماد على الكلمات، وإهمال الآثار والعمارة وما تقدمه لنا التنقيبات من شواهد حية عن نشاطات أهل ذلك الزمان، وإنما يجب وضعها جميعا في وعاء واحد، واستخلاص ما يمكن استخراجه من سلافة عصرها.
وهذا المنهج التأريخي العلمي التفاعلي، تسير عليه الدراسات التأريخية المعاصرة، التي تصل ببحوثها المتكاملة الميدانية والإنسانية إلى حقائق معرفية ذات قيمة حضارية متميزة، ذلك أن الحجارة تتكلم، والمكان له أبجدياته المسطور بها الكثير عما كان يقوم به الناس في أي زمان، ولذلك يتوجب الجمع والتفاعل، وليس القطع أو الفصل والتنافر.
وفي ادّعاءاتنا التأريخية الكثير جدا من التناقضات والافتراءات، التي تسببت فيها مناهج العزل والتخندق في نفق قال فلان وذكر علان!!
فهل سنقرأ تأريخنا بمناهج معاصرة التوجهات والتطلعات العلمية والبحثية الرصينة، وبأبعادٍ ثلاثية النظر، أم سنبقى في معتقلات الترويج والتكسب والاحتراب وأصفاد قال وذكرَ؟!!
واقرأ أيضاً:
أعلنتُ الحِداد على أمّي...؟!! / الإرهاب والذباب!! / انبعاج وارتجاج!! / حرية التعبير عن الغَيّ!!