العصر الذي نحياه هو انعكاس متراكم متطور لما كان يعتمل في عقل الأجيال، وما يتحقق من حولنا في واقعنا المكاني والزماني تحقيق لما فينا من الأفكار والتصورات والرؤى والمواقف والتحولات. فواقعنا مرآتنا، وسلوكنا فعل نفوسنا، ويترجم طبائعها ونوازعها وما تكنزه من الطاقات، ففي الأعماق طاقات ذات قدرات هائلة وفاعلة في الحياة، ولكل طاقة تأثير وسلوك يستوعبها ويحقق غايته، ويرعى آليات تصريف محتواه، والنفس طاقة متجددة تكنز قوى تفاعلية شديدة الانفجار، خصوصا عندما تنحبس وتختنق وتتعتق في أوعية الأعماق ولا تجد منفذ، فأنها تتحول إلى طاقة منفلتة ومسعورة، تنتشر في فضاءات واقعها وتؤكد ما فيها من تحولات، ومنطلقات ذات خطورة متناسبة مع درجة انحباسها وعمائها وانفلاتها.
وعندما ننظر أي واقع في بلداننا ونقارن مفردات الخطاب السائدة ونحلله، نرى وضوح ترجمتها في الأحداث والتطورات والتداعيات المتحققة في المجتمع. حيث تبدو رؤى القوى السياسية متحققة في الواقع القائم، وكل ما يدور في المجتمعات من تفاعلات لم يأتِ من فراغ، وإنما يعكس ما تحمله القِوى من أجندات متنوعة، وجميعها تشترك بأنها تعادي حتى مصالحه، وتتقنع بما لا يمت بصلة لحقيقته، وتفعل ما يكذّبُ أقواله، ويدينها ويضعها على حافة النفاق الدفاق والفتاك.
وعندما نتأمل مجتمعات أخرى متطورة وذات استقرار اجتماعي وسياسي، تجدنا أمام ذات القانون السلوكي، والفرق أن ما تحمله من رؤى وتصورات يختلف تماما عما يتراكم فوق كراسي السلطة في مجتمعاتنا، وبمقارنة بسيطة يتضح فرق المحتوى الداخلي وما يترجمه في الواقع الخارجي.
هكذا تظهر حقيقة التطورات والتفاعلات القائمة في دروب الأيام وسوح الأعوام، وعليه، فأن القول بتغيير إيجابي واستقرار، إنما هو ضرب من الفنتازيا أو أحلام اليقظة، إن لم تتغير الرؤى والتصورات والمواقف، وتتحقق ثقافة حضارية إنسانية لها القدرة على استيعاب حاجات الحاضر والمستقبل، وبدون هذه الصيرورة النفسية والفكرية، لن تخرج مجتمعاتنا من مأزقها الإتلافي الذي يقدد وجوده، ويوهن عضدها ويمزقها شر ممزق، ولا بربح من هذا الهوس الانفعالي الأحمق إلا المتربصون الطامعون المنطلقون نحو تأمين مصالحهم وافتراس غيرهم.
فلكي نكون علينا أن نحدد بوضوح ما نريد أن يكون، فلا يكون من غير كائنٍ فاعلٍ مكنون، وليس صحيحا أن المتحقق من فعل الغير بمعزل عن فعل الذات الجمعية الفاعلة في المكان والزمان، إذا لابد من توافق إيقاعي بين الكينونات الكامنة في العناصر المتفاعلة الساعية لإنتاج مركب مطلوب ومرغوب.
فهل سنراجع ما فينا ونشذّب محتويات النفوس لكي نفوز؟!!
واقرأ أيضاً:
الأوطان موجودات أرضية لا كيانات سياسية؟!! / الإرهاب اللفظي!! / الرفق بالحيوان وسلوك الإنسان!!