من عايشه: أي عاش معه أو عاشرهُ.
والعيش: الحياة.
"وقد علمتُ على أني أعايشُهُم .... لا نبرحُ الدهرَ إلا بيننا إحَنُ"
والتعايش أن يحافظ كل حي على حقوق حياة الحي الآخر الذي يعيش معه في ذات المكان والزمان. وفي بدن الكائن الحي كالحيوان والإنسان، أعداد غفيرة من الجراثيم والمَكروبات الضارة والنافعة، وهي في حالة توازن وتعايش لتأمين الحياة. وهناك الكثير من آليات التعايش فيما بينها، كتبادل المنفعة وإدامة الظروف البيئية اللازمة لحياتها المشتركة. وعندما يحصل اضطراب في التوازن، يتأثر محيطها وتتكاثر بعضها على حساب البعض الآخر.
فعلى سبيل المثال، عندما نستخدم المضادات الحيوية فأنها تقتل بعض أنواعها فتتنامى الجراثيم الأخرى، التي لم تتأثر بالمضاد الحيوي، ويصحب ذلك مضاعفات قد تكون خطيرة على الحياة، حيث يعاني الشخص من إسهال شديد وأضرار كبيرة في الأمعاء، مما يستدعي المزيد من التداخلات العلاجية، وبعضهم يفقد حياته، بسبب انعدام آليات التوازن والتعايش ما بين الأحياء المجهرية في أمعائه.
وهذا قانون بقائي مطلق ينطبق على الموجودات في الأرض والكون، ولا تحيد عنه أية ظاهرة أو سلوك يتحقق في عالم مزدخم بالطاقات والقدرات المتفاعلة، فلا يمكن لأية حركة أو نشاط أن يمضي من غير توازنات، ومعادلات تفاعلية منضبطة وذات أحكام سلوكية تؤمّن البقاء المشترك والتعايش السليم.
وما يجري في بعض المجتمعات المتعايشة لآلاف السنين أن كيان وجودها –الدولة– قد ضعف، فوجدت القوى القريبة والبعيدة الفرصة لحقنها بالمضادات اللازمة لقتل بعض مكونات هذا التعايش وتحطيم آليات التوازن البقائي، مما أدى إلى طغيان مكون على آخر، فأصيب المجتمع بالتهابات جرثومية ذات مسميات لا تنتهي، ومضاعفات خطيرة قد تقتل المجتمع وتغييب الوطن بالكامل. وهذه الالتهابات ومضاعفاتها المتطورة، تستدعي خبرات كبيرة وعلاجات نوعية ذات قدرة على إعادة التوازن، وتحقيق التعايش الضروري لبقاء الأوطان والمجتمعات.
وفي الطب يتم حقن المريض بذات المكون الموجود في الإنسان المعافى، أي الذي لم تضطرب فيه حالة التوازن والتعايش المَكروبي، لكي يشفى من مرض اضطراب ما فيه من مكونات حيوية. ويبدو أن هذه المجتمعات التي فجعت باضطرابات عدم التعايش بحاجة لحقنة تعايشية من إنسان سليم، لكي تستعيد التوازن وتحقق التعايش.
هذه الحقنة نفسية فكرية ثقافية سلوكية، وتستوجب قدوة وأمثلة حية فاعلة في الحياة، لكي تنجح فيشفى الوطن والمجتمع من فقدان التوازن وأزمات اللاتعايش. فلماذا المَكروبات تتعايش في أجسامنا، ولا نستطيع التعايش مع بعضنا؟!ّ!
واقرأ أيضاً:
نكون كما نكون!! / الرفق بالحيوان وسلوك الإنسان!! / التعايش!! / مَغنطة ومَقنطة؟!!