يغيب فرسان العروبة الواحد تلو الآخر، وهم من الرعيل الذي رفع راياتها في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، وساروا في ذات الطريق يحملون مشاعلها بقوة وعزم وإصرار وتحدي ومطاولة ومثابرة وعناد عروبي منقطع النظير. فقبل أسابيع ودعنا الأستاذ كلوفيس مقصود، واليوم الأستاذ مطاع الصفدي الذي بقي وفيا للعروبة ومفكرا معطاءً يذود عن راياتها الخفاقة، ويؤمن بأنها لن تنهزم وتندحر وستتجدد ويكون العرب يها، فلا طريق لهم إلا بالعروبة.
والعروبيون يشتركون بصدق الإنتماء للعروبة والإيمان بها، فهي الوعاء الأكبر الجامع المانع الضامن لحياة المفردات الأخرى، وبدونها تتبعثر مكونات المجتمع العربي وتتزأبق، اي تتناثر كحبات الزئبق، أو تتبليرد، أي تتحول إلى كرات بلياردية تتناطح ويحركها لاعب بعصاه، ولكن أية عصى تلك التي تحرك مفردات العروبة وتناطحها ببعضها!!
ويتميزون بصدق التعبير وصفاء الإيمان والتفاعل االواعي، والإدراك العميق لضرورات الوجود العربي المبني على أسس عروبية، ذات قيمة وطنية وحضارية ومعرفية متواصلة مع الإنسانية، فالعروبة ليست نظرة متعصبة أو متحجرة، وإنما هي رؤية حضارية ذات قيمة تفاعلية وتعزيزية لقدرات أمة يمكنها أن تنهض بعنفوان الأعاصير، وتكون ذات أنوار مشعشعة في أرجاء الدنيا، فبالعروبة تكون الأمة وبدونها ينتفي وجودها وتغيب.
ويرى العروبيون أن ما يصيب الأمة اليوم بسبب إنفراط عقد العروبة، وما تتعرض له من هجمات عدوانية ذات مناهج طائفية وتفريقية، تسعى لبعثرة التماسك العربي وتفريغه من أهم مقومات قوته وعزته وكرامته، ألا وهي العروبة، ويعطون مثلا على العراق الذي يتوطنه العرب، فتم تحويله إلى طوائف يتجسد إنتماؤها بالسلوك الطائفي وحسب، وقد تفرّغ وعيها من روح العروبة، وبهذا فأنها أُفرِغَت من الدين، لأن الدين والعروبة لا يمكن فصلهما عن بعضهما، فما أن تضعف العروبة فأن الدين يضعف، وعندما تكون العروبة قوية وحاضرة يكون الدين واضحا وصادقا ومعبّرا عن إرادة الأمة ورسالتها الإنسانية الباهية.
ومن الواضح أن غياب فرسان العروبة لا يعني بالضروة غياب العروبة، وإنما سيمتطي فرسان آخرون ظهر الوجود العروبي، وسيساهمون في ضخه بالأفكار المعاصرة الصالحة لإحياء قيمة العروبة وتأكيد دورها في الحياة العربية، وعندها ستذوي التفاعلات السيئة التي تطغى على الواقع المعاصر المضرج بالويلات والتداعيات، وآليات الخسران وطاقات التضليل والبهتان. فالعروبة روح العرب وقوتهم المطلقة وجوهر دينهم، وأي إدّعاء ديني معزول عن نفحات العروبة وطاقاتها الجامعة المعتصمة بالوحدة التفاعلية والتكافل الوطني العروبي، لا يمكنها إلا أن تكون معادية للوجود العربي ومدمرة للدين.
فتحية لفرسان العروبة الذين ترجلوا، ومرحى لفرسانها الصاعدين الذين سيعيدون للعروبة مجدها وقيمتها الحضارية الكبرى.
واقرأ أيضاً:
الأميّة القرآنية!! / رمضان هل نعرف الله؟!! / فين الديمقراطية يا عرب؟!! / تفاءلوا وتفاعلوا!!